جهاتٌ عُليا!

مع بداية محاكمة عددٍ من الأسماء في ملفات مختلفة يبقى أبرزها ملف “إسكوبار الصحراء” الذي أطاح بسعيد الناصري واحدٌ من أكبر النافذين في البلد نظير مكانته القيادية داخل حزب الأصالة والمعاصرة، ومنصبه التسييري في الرياضة برئاسته لواحد من أكبر الأندية الوطنية والافريقية، ناهيك عن رئاسة لمجلس عمالات أكبر المدن الإقتصادية في افريقيا، ومع ذلك إنه مسجون للشهر العاشر وتجري محاكمته، ومعه عبد النبي البعيوي امبراطور الشرق، وبعدها عزيز البدراوي ورئيس جماعة بوزنيقة، ومحمد بودريقة الموقوف حاليا في ألمانيا والذي لا يقل أهمية عن سابقيه، كل هؤلاء كانوا يسوقون أن جهات عليا تحميهم، ظهر أخيراً أن لا جهات فوق القانون، وإن كانت بعض الأعطاب في تنزيله لكنه إستثناء والإستثناء في الأخير لا يقاس عليه.
“جهات عليا” هي العبارة الأكثر إستعمالاً “للغمقة” على عامة الشعب من طرف البعض، حتى أن الجميع يتحدث عن مفهوم “المخزن” دون أن يعرفه أو يكشف من يكون وكيف هو شكله، فالمخزن بحسب نظرية “الجهات العليا” ليس هو الملك ولا ولي العهد ولا الأمراء والاميرات ولا هو عزيز أخنوش ولا هو عبد اللطيف الحموشي ولا هو رئيس النيابة العامة ولا رئيس المجلس الاعلى للسلطة القضائية، من هن إذن هذا المخزن الذي يتهم بالتحكم في كل شيء وضبط الأشياء وكلها، وقبل أن يبدأ الوصف الجديد للجهات العليا على أنه “دولة عميقة” وإن كان العمق شيئا والعلو شيء آخر.
في المغرب يصنف بعض الصحافيون على أنهم محميون من جهات عليا، الصورة التي عشتها اليوم بالقاعة 07 بالمحكمة الابتدائية الزجرية بعين السبع، كرست في ذهني صورة غير هذه الصورة، لقد وقف أمام القاضي صحافي يقال أن في فمه ملعقة من ذهب وأنه مدعوم من الجهات العليا، ونودي عبر زميل ثانٍ يتهمه البعض بأنه يخدم أجندت فؤاد عالي الهمة، ثم نودي على زميلة هي في خط مهني آخرContre l’État، ونودي على آخر “شاد العصا من الوسط”، لم تظهر أية جهات عليا مؤيدة أو معارضة لأي إسم من الأسماء، أو أنها تسعى لتغراق الشقف أو تبرئ أيا من الواقفين أمام المحكمة الموقرة.
من يحاول أن يوهمنا مثلاً أن “جهات عليا” وراء قتل البيجيدي سياسيا، فليرى أن بنكيران يعزي في إسماعيل هنية، وفي حسن نصر الله، ويعبر عن آرائه من قضايا دولية تبدو عند بعض الدول الأخرى خطاًّ أحمراً.
في الأخير يبقى موقفي من “الجهات العليا” يخصني ولا ألزم به أحداً، وأن الذي أسير نحو إكمال عامٍ من الكتابة في مواضيع متعددة ومختلفة، وأساق إلى المحكمة كأيها الناس دون ان يؤثر على مساري أحدٌ، وإن كان متعاقدٌ عند العرايشي يعتقد أنه محمي من “جهة عليا” فلنرى هذه الجهة العليا التي يعول عليها صحافي ومنتج تعبر كتاباته عن السفالة والانحطاط ولا مكان للعلو فيها.