وجهات نظر

توفيق ناديري يكتب: القطب العمومي سيسير برأسين

قبل عدة سنوات،مع اشتداد الخلاف و الصراع المعلن والخفي بين رئيس المجلس الإداري لشركة صورياد دوزيم فيصل العرايشي وبين المدير العام أنذاك مصطفى بنعلي،خرج رئيس شركة’ دار البريهي’ المتحمس والواثق من ذاته، حينها ، ليقول،بكل حسم وحزم، في حوار شهير مع مجلة متخصصة :لا يمكن للقطب أن يسير برأسين، فكانت تلك كلمة فصل، كان لها ما بعدها، وبعدها لم يكن سوى إقالة بنعلي بالطريقة التي يعرفها المتخصصون،ولا قيمة معرفية أو سياقية أو خبرية لذكرها.
ولأن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه بالدرجة التي لا تسمح طبعا للمرء أن يسبح في النهر مرتين،عاد نقاش القطب المتحرك بمنطق الرؤوس،ليطفو في سطح هذا القطب، بعد أكثر من عقد من الزمن،مع بدء الدخول عمليا وإجرائيا في تجميع المنشآت السمعية في تكثل واحد يسمى هولدينغ ويطلق عليه القطب العمومي مجازا أو تعلقا بمنجز لا تتوفر شروطه التعددية والاقتصادية لحد الساعة .
انطلق النقاش حول ‘الهولدينغ’ حينما خرج السفير الحالي في ساحل العاج ووزير الاتصال السابق عثمان الفردوس،على المواطن المغربي في زيارة مفاجئة لمديرية الأخبار،ودون سابق إشعار، بعد أكثر من عقد على الرأي الاستشاري للهاكا حول القطب ،ليعلن عن الدخول رسميا في عملية تجميع المنشآت السمعية البصرية العمومية وشبه عمومية في تكثل واحد، وما يقتضي ذلك من إجراءات قانونية طويلة ومعقدة،دون أن يعرف الرأي العام،هوية المشرف على عملية التجميع ،للدرجة التي فتحت الباب،بمنطق الطموح المشروع ، أمام تأويلات حول أسماء سياسية وإعلامية يمكن أن تناط بها العملية،قبل أن يحسم الأمر ،على الأقل في مرحلة التجميع ، لجهة فيصل العرايشي كما كان يتوقع العارفون بدواليب صناعة القرار، وليعلن عن سقوط لائحة بشكل قاطع من سياق محاولة إزاحة العرايشي في هذه المرحلة .
و مع التطور التدريجي لعملية التجميع،ودخول مؤسسات قوية وصارمة في صناعة القرار،برزت معطيات على قدر كبير من الأهمية تتمثل في بنية وتركيبة شركة’ميدي آن تي في’ و راديو RMI ورافدها الإشهاري الضخم regie3،وهي تركيبة معقدة وصلبة، ولها امتدادات عميقة،تختلف جذريا و قانونيا وسياسيا ،عن دوزيم بنعلي أو سليم وعن شركة فيصل العرايشي ووكالته الإشهارية الداخلية بعد إلغاء صفتها المستقلة.
هي معطيات متداخلة فرضت أن يتم الاستعاضة عن تأسيس كيان إشهاري جديد كما ينص على ذلك قرار مجلس المنافسة،بالإبقاء على شركة ريجي3 التي يشرف عليها منذ عدة سنوات حسن خيار الرئيس المدير العام للقناة والراديو السالف الذكر ،مع التذكير برمزية وتأثير عدم إمكانية اقتناء نسبة معينة من رأسمال الشركتين لفائدة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.
وأخذا بعين الاعتبار النقاشات المالية والتدبيرية الأخيرة حول شركة’ ميدي آن تي في’ وشركة RMI، واستقالة المدير الجديد لوكالة الإشهار ،بقدرة قادر أو نافذ ،وما رافقها من شد الحبل وسيرورة الخلاف الخفي بين العرايشي وأخيار ،سيما بعد نشر تقرير المجلس الأعلى للحسابات ،يمكن القول إن المنطق يفترض أن ينفض الجمع وأن يغني كل واحد على ليله وليلاه،إلا أن مؤشرات مستجدة و قوية بقوة الرجلين والقطبين تشير إلى أن القطب سيسير برأسين لا محالة،إلى أن يقضى الله الأمر كان مقضيا،وأن التاريخ لا يعيد نفسه بالضرورة،فالضرورات لا تبيح فقط المحظورات، وإنما الضرورات بلسم التوافقات لاستمرار المصلحة والخدمات والله ولي التوفيق .