وجهات نظر

“مكافحة التطرف في المغرب: بين التحديات التعليمية والاجتماعية وحلول الوقاية الشاملة”

 الدكتور طلوع عبدالإله

إن محاربة الإرهاب والتطرف في المغرب يتطلب مقاربة شاملة، لا تقتصر فقط على الإجراءات الأمنية. فالتحديات التي يواجهها الشباب المغربي من بطالة وفقر وأمية، فضلاً عن قلة فرص التعليم الجيد، تساهم في نمو ظواهر التطرف والإرهاب. وبناءً على ذلك، لا بد من اعتماد استراتيجيات متعددة الأبعاد تتجاوز مجرد الرد الأمني، وترتكز على تعزيز التماسك الاجتماعي والاقتصادي، مع الاهتمام الكبير بالمجال التعليمي كأداة رئيسية للتوعية والوقاية من الفكر المتطرف.

 

1. الوضع التعليمي في المغرب:

 

يعد التعليم من أبرز العوامل المؤثرة في تشكيل عقلية الأفراد، وهو أحد المحاور الأساسية في مكافحة التطرف. ورغم الجهود المبذولة لتحسين القطاع التعليمي في المغرب، إلا أن هناك تحديات كبيرة ما تزال تؤثر على جودته. ففي تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الأخير، تم الإشارة إلى أن نسبة الأمية في المغرب ما تزال مرتفعة، خاصة في المناطق الريفية والمهمشة. كما أن المناهج الدراسية، في العديد من الأحيان، لا تواكب التغيرات العالمية ولا تتناول القضايا الاجتماعية والاقتصادية بشكل يناسب احتياجات الشباب. إذ إن العديد من الشباب يشعرون بالعزلة والتهميش بسبب عدم توفر فرص التعليم الجيد الذي يفتح أمامهم أفق الحياة والعمل.

 

لقد أظهرت الدراسات أن الشباب الذين يعانون من ضعف في التعليم، هم أكثر عرضة للانخراط في الأنشطة المتطرفة. ففي تقرير المركز الوطني للبحث في العلوم الاجتماعية، تم التأكيد على أن التطرف لا يقتصر على الفئات العاطلة عن العمل فقط، بل يشمل أيضًا الشباب الذين لم يحصلوا على تعليم يواكب العصر، مما يجعلهم عرضة للانضمام إلى الجماعات المتطرفة التي تجد في هذه الفئات بيئة خصبة.

 

2. الوضع الاجتماعي والاقتصادي:

 

إن البطالة والفقر في المغرب يشكلان تحديات اجتماعية كبرى تؤثر بشكل مباشر على الشباب. وفقًا لتقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، تبلغ نسبة البطالة في صفوف الشباب المغربي حوالي 30%، وهو ما يزيد من مشاعر الإحباط والانعزال لدى هذه الفئة، مما يجعلها فريسة سهلة للجماعات المتطرفة التي تستغل هذه الظروف لإقناعهم بفكرها المتطرف. من هنا، فإن الربط بين الوضع الاجتماعي والاقتصادي وبين التطرف أمر لا بد من فهمه والتعامل معه بجدية.

 

ويزداد الوضع تعقيدًا في المناطق النائية والمحرومة، حيث لا تتوفر فرص العمل أو التدريب المهني، كما أن البنية التحتية التعليمية والصحية ضعيفة. هذا التهميش الاجتماعي يعزز شعور الشباب بالغبن، ويجعلهم أكثر تقبلًا للخطاب المتطرف الذي يعدهم بتغيير واقعهم.

 

3. حلول لمكافحة التطرف:

 

للحد من ظاهرة التطرف لدى الشباب المغربي، لا بد من تبني حلول شاملة تتجاوز الحلول الأمنية، وتتناول الجوانب التعليمية والاجتماعية والاقتصادية:

 

أ. إصلاح التعليم:

 

من الضروري إصلاح المنظومة التعليمية بما يتناسب مع التحديات المعاصرة. يجب تحديث المناهج الدراسية لتشمل قيم المواطنة وحقوق الإنسان، إضافة إلى تعليم الشباب التفكير النقدي والتسامح. كما يجب تعزيز الثقافة الدينية المعتدلة التي تدعو إلى التسامح واحترام الآخر، ورفض التطرف بجميع أشكاله. وهذا يشمل إحداث إصلاحات شاملة في البرامج الدراسية لتشمل أيضًا المهارات التقنية والفنية التي تتناسب مع سوق العمل.

 

ب. محاربة الأمية:

 

لابد من تكثيف الجهود لمحاربة الأمية، خاصة في المناطق الريفية. يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير دورات تعليمية مجانية للكبار والصغار، مع التركيز على تعليم القراءة والكتابة ومهارات الحياة الأساسية. كما يجب تشجيع الشباب على العودة إلى مقاعد الدراسة، وإتاحة الفرص لهم لتطوير مهاراتهم الشخصية والمهنية.

 

ج. تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي:

 

يجب أن يكون هناك توزيع عادل للثروات، وزيادة فرص العمل، خاصة للشباب. يمكن للحكومة أن تستثمر في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفر تمويلًا ميسرًا لتشجيع ريادة الأعمال بين الشباب. كما ينبغي أن تعمل على خلق فرص تدريبية في المجالات التي يحتاجها سوق العمل، مع توفير برامج لدمج الشباب في الاقتصاد الوطني.

 

د. تفعيل قيم المواطنة والتسامح:

 

من الضروري نشر ثقافة المواطنة والعيش المشترك بين الشباب، وتعليمهم أهمية الحوار والتعاون في المجتمع المتعدد. وهذا يتطلب من المدرسة، الأسرة، ووسائل الإعلام أن تساهم بشكل فعال في تعزيز هذه القيم، بالإضافة إلى تنظيم ورشات وندوات توعوية تساهم في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الدين والمجتمع.

 

4. الختام:

إن مواجهة التطرف والتطرف العنيف في المغرب لا يمكن أن تكون ناجحة ما لم تتم معالجة الأسباب العميقة التي تدفع بعض الشباب إلى الانجذاب نحو الأفكار المتطرفة. فالتعليم الجيد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير الفرص الاقتصادية، هي الركائز الأساسية التي يجب أن تقوم عليها أي استراتيجية لمكافحة التطرف. وإذا تمكنا من تحسين هذه الجوانب، ستنخفض بشكل كبير عوامل جذب الشباب إلى هذه الجماعات، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وتماسكًا.