شوقي يرد على غالي: المملكة نموذج إفريقي وOCP مفخرة اقتصادية
سمير شوقي، رئيس مركز أوميغا للأبحاث الإقتصادية و الجيوسياسية يرد على عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان، بخصوص ما ورد في خرجة هذا الأخير الإعلامية حول المغرب الاقتصادي و الجيوسياسي.
هكذا ينجح المغرب جيوسياسباً
في الجانب الجيوسياسي تم الحديث عن تراجع الدور المغربي بأفريقيا في إشارة لما بعد العودة للإتحاد الإفريقي مع التعليل بغياب تمثيلية المغرب من هياكل الإتحاد الإفريقي.
1- هنا لابد من التذكير بسياق عودة المغرب للإتحاد الإفريقي بعد غياب دام أزيد من 32 سنة. و بخلاصة أُذكر أن إلقاء الخطاب الملكي يوم 30 يناير2017 بقاعة نيلسون مانديلا بمقر الإتحاد الإفريقي بأديس أبابا جاء كتتويج لمجهود ديبلوماسي دام حوالي خمسة عشر سنة. في المُحصلة أيدت 42 دولة عودة المغرب للإتحاد، و بذلك استطاع المغرب تشكيل كتلة داخل هياكل الإتحاد الإفريقي بدأت بعزل رئيس لجنة السلم و الأمن الجزائري اسماعيل الشركي الذي وضف هذه اللجنة المهمة لمدة سبع سنوات لمحاربة الوحدة الترابية. و استطاع المغرب مند عودته أن يؤمن عضويته في هذه اللجنة الحساسة ثلاث مرات بل ترأسها كذلك ثلاث مرات و هو رئيسها الحالي. فقد سبق للمغرب أن ترأس هذه الهيئة في شتنبر 2019 خلال عضويته الأولى (2018-2020) و في أكتوبر 2022 خلال عضويته الثانية و منذ فبراير 2024 خلال ولايته الثالثة (2022-2025). وبالأرقام، فخلال الولاية الثانية، على سبيل المثال،تم عقد ما مجموعه 61 اجتماعاً و إخراج 58 خلاصة صبت كلها اتجاه معالجة إشكاليات أمنية موحدة بين الدول الأفريقية و محاربة الإرهاب و حماية المواطن الإفريقي، بحيث تم تحييد موضوع الصحراء بشكل نهائي وجعله اختصاصاً أمميا بشكل انفرادي. الخلاصة، و بخلاف ما تم ذِكره، فأن المغرب حقق مكاسب كبيرة بدعم من حلفائه التقليديين و الدفع بعدد من الخصوم التاريخيين في المعسكر الأنغلوساكسوني نحو الحياد الإيجابي كإثيوبيا و نيجيريا و رواندا و الذين صارت تربطهم مع المغرب مصالح اقتصادية كبرى.
2- المشروع المغربي الأطلسي مشروع واعد، صحيح أنه صعب ولكن ليس مستحيلاً بدليل أن عدة دول عبرت عن انخراطها فيه خلال مؤتمر انعقد بمراكش لهذه الغاية. وبعيداً عن حلفاء المغرب التقليديين بغرب أفريقيا، عبرت العديد من دول الساحل، وهي دول لها علاقات تاريخية مع الجزائر، عن حماسها لهذا المشروع و على رأسها مالي و بوركينافاصو و النيجر، و هي الدول التي ذكر السيد غالي أنها عرفت انقلابات و ابتعدت مواقفها عن المغرب فيما العكس هو الصحيح. لقد تعامل المغرب مع هذه الدول بذكاء و تواصل مع حكامها و استقبل رئيس حكومة النيجر في زيارة رسمية مما جعل الجزائر تفقد أعصابها و قامت برد فِعلٍ دفع علاقاتها مع هذه الدول للتشنج بل حتى القطيعة مثل ما وقع مع مالي و التفاصيل الكل يعرفها. في المُحصلة اليوم أن علاقات المغرب مع دول الساحل هي أفضل مما كانت عليه سابقاً و إن لم تكن سيئة ما قبل الإنقلابات. للإشارة وبخلاف ما تم ذِكره فالكونغو، التي لم يتم تحديد هل الديموقراطية أم برازافيل، فإن أيٍ منهما لم تعرف أي انقلاب و أنظمتها مستقرة و علاقتهما مع المغرب تاريخية و جيدة و مازالت كذلك.
3- دور المغرب بين الفرقاء في ليبيا فيما اصطلح عليه اتفاقيات الصخيرات كان حيادياً و كان هدفه لم شمل الليبيين و هذا موثق بلسان كل الفرقاء الليبيين الذين ثمنوا هدا الدور المغربي. المملكة المغربية لم يكن لديها أي التزام بضرورة الوصول لاتفاق نهائي بقدر ما تعهدت بتوفير ظروف حوار مباشر بين الطرفين في وقت لم يكن بينهما أي اتصال. و اليوم المغرب يضع نفسه على نفس المسافة بين الطرفين و ليس لديه أي مشكل مع أي منهما كما تم ذِكره.
نيجيريا و OCP و أمور أخرى
في الجانب الإقتصادي هناك عدة نقط التقطتُ بعضها و ها هو موقفي مما قيل.
1- بخصوص مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، تم القول أن المشروع يعرف صعوبات بعد الإنتخابات في نيجيريا، و الحال أن رئيس نيجيريا الجديد أحمد أديكونلي تينوبو سارع بعد انتخابه للإشارة عبر تويتر لاستمرار التقدم في المشروع الثنائي،و تلقى بعد ذلك اتصالاً هاتفياً من طرف الملك محمد السادس و أكدا على استمرارية العلاقات الثنائية و السعي وتعزيزها وعلى رأسها مشروع أنبوب الغاز الذي عرف دينامية جيدة خلال الأشهر الأخيرة حيث أعلنت عدة دول انخراطها في المشروع و كان آخر الملتحقين كوت ديفوار و ليبيريا و غينيا و البنين الذين وقعوا في مقر المجموعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بلاغوس مذكرة تفاهم مع المغرب و نيجيريا و هي تتمة المذكرات الموقعة في العام 2022 من موريتانيا و السينغال و غامبيا و غينيا بيساو و سيراليون و غانا، و حضرها عن الجانب المغربي أمينة بنخضرا المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات و المعادن. و هذا يدل على التزام كل الأطراف بهذا المشروع الإستراتيجي الذي سيعزز تسييل الغاز الطبيعي للبلدان الإفريقية و سيوفر طريق تصدير بديل جديد لأوروبا.
و قبل أيام فقط، قال رئيس الشركة الوطنية النيجيرية للبترول NNPC، ميلي كياري، خلال مشاركته بملتقى دولي بهيوستون الأمريكية “إن الخطة النهائية للإستثمار بخصوص هذا المشروع العملاق سيتم الإعلان عنها خلال شهر دجنبر من العام الجاري 2024”. وكان المكتب الوطني للهيدروكاربورات قد أعلن قبل ثلاثة أسابيع عن إنشاء شركة خاصة بالإشراف عن التمويل و الأشغال و الإستغلال الخاص بالمشروع. و علاقة دائماً بالعلاقة الثنائية بين البلدين و القول أن المغرب لم ينجح في كسر تحالف الجزائر-جنوب افريقيا-نيجيريا مردود عليه على اعتبار أن نيجيريا اختارت منذ عشر سنوات مصالحها الإقتصادية على التكتلات الإيديولوجية و أصبحت في حِلٍ من هاته الأخيرة. وفي هذا الإطار عقدت مع المغرب عدة شراكات أبرزها إنشاء مصنع للأسمدة بطاقة مليون طن في السنة و هناك مصنعين اثنين قيد الإنجاز للوفاء بحاجيات هذا البلد ذو ال 220 مليون نسمة من حاجياتها الزراعية من الأسمدة، إضافة لشراكات متعددة للقطاع الخاص في البلدين.
2- في كل حوار يتم تخصيص هامش لأنشطة المكتب الشريف للفوسفاط و ادعاء غياب الشفافية في أنشطته و مساهمات وعدم وضوح مساهمة OCP في ميزانية الدولة ..الخ. و الواقع أنه كان لابد من وضع سيرورة OCP في سياقها خلال ال 18 سنة الأخيرة و الوقوف بموضوعية عن التطور الكبير الذي عرفه في مختلف هياكل و أنشطته و شفافيته، و مقارنة كيف كان المكتب منغلقاً و مجرد مُسوق للخام الفوسفاط و كيف تحول لأول منتج للأسمدة في العالم و الرقم الأساسي في الأمن الغذائي بالعالم.
أ- تم الإدعاء أن OCP لا تعتمد الشفافية في معاملتها لأنها غير مدرجة بالبورصة و الواقع أن الموقع الرسمي للمجموعة www.ocpgroup.ma يضم الحصيلة المالية بأدق تفاصيلها منذ سنوات، كما يتم نشر هذه الحصيلة فصلياً أربع مرات في السنة في الصحف الوطنية و الدولية (أزيد من 16 صفحة في كل نشرة)، و عدم معرفة ذلك فهو كسل من طرف صاحبه و هو المسؤول عنه. أما القول أن OCP لا تقدم الحساب المغاربة عبر ممثليهم بالبرلمان فهو مغالطة كبيرة أو جهل بسير أشغال الجهاز التشريعي. فقد سبق للجنة مراقبة المالية بالولاية السابقة أن استدعت رئيس OCP في جلسة دامت أزيد من ثلاث ساعات حضرها 41 برلماني مو كل الفرق البرلمانية و تم خلالها و ضع كل الأسئلة على رئيس المجموعة الذي قدم عرضاً مفصلاً النمو أنشطة OCP منذ العام 2006 و كذلك تم تشريح المساهمة في الميزانية العامة للدولة، و محاضر هذا الإجتماع متوفرة بسكرتارية هذه اللجنة. كما أن المجلس الأعلى للحسابات كان قد أنجز تقريراً مفصلاً عن OCP تضمن ملاحظات و توصيات تعهدت المجموعة بتطبيقها وأجانب عن كل الملاحظات نقطة بنقطة. ولأن الأمر مر هنا كذلك بكل شفافية بالتقارير إياه مازال متوفراً على بوابة المجلس الأعلى للحسابات و تناولته الصحف الوطنية في حينه بالإخبار و التحليل.
ب- مساهمة OCP في ميزانية الدولة مهمة جداً على اعتبار أنها من بين أهم القطاعات التي تجلب العملة للمغرب (12,5 مليار دولار سنة 2022) كما ضخت في الميزانية العامة أزيد من 25 مليار درهم، حسب وزير الميزانية، في حينها إضافة إلى مساهمات غير مباشرة بعدة ملايير درهم على شكل ضرائب مختلفة، كما تساهم المجموعة بشكل فعال في دعم القطاعات الإجتماعية بالعالمين القروي و الحضري، و كل ذلك متضمن في تقرير المسؤولية الإجتماعية للشركة RSE، إضافة إلى كون المجموعة أكبر مشغل بالمغرب بحوالي 22 ألف أجير يضاف إليها حوالي 10 ألاف منصب غير مباشر عبر المناولة و الشراكات.
ت- تم التطرق لقضية “موزاييك” بإيحاءات و كأنه تم ضبط OCP مخالفة للقانون، و الواقع أن رائد الأسمدة بالولايات المتحدة “موزاييك” تضايق من الصعود المثير للمجموعة المغربية فاشتكاه لوزارة التجارة بداعي “أن الدولة المغربية تدعم كلفة إنتاج OCP ليخفض السعر في السوق dumping” و بالطبع تضامنت الوزارة الأمريكية مع “موزاييك” و فرضت على الصادرات المغربية من الأسمدة رسماً بواقع 26% ( وليس 20% كما تم ذِكره) إلا أن الدفاع المغربي كان قوياً فانخفضت تلك الرسوم ل 19% في مرحلة أولى تم ل2% فقط. تبقى الإشارة إلا أن المزارعين الأمريكان ضغطوا من جانبهم لتمكين OCP لولوج السوق الأمريكي دون مضايقات نظراً لجودة المنتوج من جهة و بسبب ارتفاع كلفة أسمدة الشركة الأمريكية. و اليوم ينشط OCP بأمريكا بشكل متصاعد و تتحسن حصصه من السوق بشكل مُطَرد و هذا ما تم إغفاله من طرف السيد غالي.
ج- مساهمات OCP في شركات عبر العالم و في كل القارات هو موضوع تم معالجته في الحوار المذكور و كأنه شيء محظور أو مُخالف للقانون بينما يندرج الأمر في إطار استراتيجية توسعية للإقتراب من الأسواق عبر ربط شراكات مع فاعلين محليين بدول عديدة. و لهذا السبب نجحت مجموعة OCP في اقتحام أسواق كانت عصية و كانت حِكراً على المنافسين الروس و الأمريكان و الصين و هذا مبعث فخر و ليس توجس. اقتناء شركات و خلق فروع و توقيع اتفاقيات شراكة تتم كلها أمام أعين وسائل الإعلام التي تناقلتها في أدق تفاصيلها و بعض النقرات في محرك البحث تمنحك عشرات المقالات في هذا الموضوع.
إِجمالاً، في الأمور الإقتصادية تتكلم لغة الأرقام و في المواضيع الجيوسياسية لا صوت يعلو على الوقائع، و في المعالجة الإعلامية لابد من التفريق بين التعليق “الحر” و الخبر “المقدس”.