جفافُ الأفكار وشحُّ المبادرات

لا عيب أن تَقِلَّ لديك الإمكانيات لكن العيب أن تعيش فوق مستواك و لا تنتج فكرة و لا تُفَعِل مبادرة. هذا ما يقع بالضبط للحكومة في مجالات عدة لها ارتباط بالراهنية.
ففي كل دول العالم لا يمكن للدراسة أن تتوقف ثلاثة أشهر و أن تضع الإضرابات مستقبل 7 ملايين تلميذ على كف عفريت، و تظل الحكومة تساوم من أجل الحفاظ على ماء وجهها لأن وزيراً منها قال ذات حماسة زائدة “لا يوجد هناك من يستطيع أن يلوِ ذراعنا”، و المصيبة أن لا علاقة له بالقطاع المعني.
لو كانت الحكومة تحترم الشعب، الذي تدير شؤونه و الذي صوت مبدئياً غالبيته لها، لأقالت الوزير الوصي منذ الأسبوع الأول للأزمة لأنه جاء بمشروع أثبت فشله بل خلق أزمة غير مسبوقة في قطاع يهم كل بيت مغربي. و هاهي انتظرت ثلاثة أشهر و جلست في الأخير مع التنسيقيات التي قالت فيها مالم يقله مالك في الخمر لأزيد من عشرة أسابيع، فلماذا هذا التنطع الفارغ الذي لم يراعِ المصلحة العامة؟
قِصَر المبادرات الخلاقة هي التي جعلتنا اليوم كذلك أمام أزمة ماء خانقة تهدد مدن كبرى بالعطش. فهل اليوم فقط اكتشفنا أننا بلد معرض للجفاف باستمرار؟ وكل الدراسات تؤكد أن بنسبة أربع سنوات على الأقل في كل عشر سنوات هي جافة. و لماذا لم تكن لدينا أي سياسة استباقية أمام خطر شح السدود؟ و كيف تجاهلنا لسنوات سياسة تحلية مياه البحر و لدينا أزيد من ثلاثة آلاف كيلومتر من الواجهات البحرية ؟
سنة 2022 كانت مؤسسة عمومية كبرى بصدد تشييد مصنع لتحلية مياه البحر بآسفي فعانت من أجل الحصول على الترخيص الحكومي، تصوروا؟ مع أن تلك المؤسسة تكلفت بكل التكاليف من الألف للياء، ومع ذلك لم تحصل على الترخيص إلا عشية افتتاح الملك للدور البرلمانية الخريفية ذات السنة و الذي كان سيتطرق فيه لإشكالية الماء !
اليوم المغرب بحاجة لعشرات مصانع تحلية المياه و في كل المدن الساحلية الكبرى، و لن يتأت هذا إلا بشراكة ناجعة بين القطاعين العام و الخاص و بدون جشع لأن الماء غير قابل للإحتكار لأنه الحياة، و هنا لا بد من وضع حد لتضارب المصالح و الذي يجعل بعض الفاعلين السياسيين الجشعين تجاراً للمآسي، كتجار الحروب “طالع واكل نازل واكل” !