أغنياء لكن أشقياء

الغنى لم يكن في يوم من الأيام عيباً بل هو في صلب تعددية أي مجتمع منذ خلق الله البشر، الفرق هو في استعمال الثروة و مآلاتها. ففي زمن الرسول الأعظم كان بعض أثرياء القوم يسخرون ثروتهم لتمويل نشر الدعوة فيما كان آخرون يستغلون ظروف الحروب لجمع المزيد من المال. فجدلية الخير و الشر لازمت ولا تزال الغنى و الثراء.
و في المغرب لا يختلف الأمر، هناك أثرياء خَيِرون ينفقون بسخاء في الأعمال الخيرية و هناك آخرون لا يخجلون باستغلالهم للأزمات لزيادة مراكمة الترواث و إن كان ذلك على حساب أفقر القوم و هناك يخجلون حتى من إظهار ترواثهم تعففاً أمام حاجة الآخرين و هناك الأثرياء الجدد و تلك حكاية أخرى.
قبل ثلاثين سنة، حكى لي مسؤول بنكي كبير و هو من عائلة ثرية كيف أنه وبخ ابناً لأحد أصدقائه الذي كان قد وُظِف للتو عندما أتى على متن سيارة جد فاخرة سعرها آنذاك مليوني درهم، قائلاً له “منظرك مستفز للناس الذين حولنا و أحوالهم المادية سيئة، إذا كان الله قد خلقنا في عائلات غنية فإننا لا يمكن أن ننعم بهذا الثراء إلا مع الإستقرار، و الإستقرار يمنحه إيانا المجتمع الذي نعيشه فيه”.
بعد ثلاثين سنة أجد أن وصية الرجل درس في الأخلاق و التضامن لا يزال مفهومها سارياً حتى اليوم بل ربما اليوم أكثر من أمس. لأننا في المغرب ابتلينا بنماذج من الأثرياء همهم الوحيد مراكمة الثروة بأي طريقة و كأنهم سيعيشون خالدين فيها أبداً، و إبراز مظاهرها بشكل مستفز لمجتمع فقير.
و هنا لا بد أن أستثني شريحة من الأغنياء يسخرون البعض من و قتهم و من جاههم لمساعدة الفقراء إما مباشرة أو عبر الجمعيات أو بواسطة مؤسسات أنشأوها لهذا الغرض. لكن ما عسانا نقول عن نوعين اثنين ابتلينا بهم في هذا البلد السعيد؟ أثرياء بالوراثة و أغنياء جدد.
هناك أثرياء سليلو عائلات غنية معروفة يتصرفون بمنطق يستعصي على الفهم و يمكن أن أصفه بالجشع لكن الكلمة في الواقع لا تشفي الغليل في هذه الحالة المَرَضية. فعندما تكون مليارديراً، أحياناً ملياردير بالدرهم أي 100 مليار سنتيم و ما فوق، و لا تزال تلهث وراء الصفقات بشتى الوسائل و أحياناً بطرق تغضب الله و لا تساهم في بناء الوطن تطوعاً و تؤدي حتى زكاتك .. فاعلم أنك لاريب مريض نفسياً و تحتاج لعلاج مستعجل. لكن للأسف هؤلاء ارتدوا نظارات سوداء تحجب عنهم واقع الحياة و أبسطها أن مثواها الأخير تحت التراب .. تم لا أفهم كيف يراكمون ترواث تكفي لحياة من النعيم الحلال لاجيال من حفدتهم و مع ذلك يظلون يلهثون وراء الطرق الملتوية لمزيد من الأموال .. لا طائل منها !
و في الأخير، هناك نوع من الأثرياء الجدد عاشوا الفقر و الحرمان و فجأة غيروا جلدهم و صاروا أغنياء و بدأوا يتباهون بعلامات الغِنى و إظهار إشارات النعمة المباغثة .. و التنكر لمجتمعهم الأصلي لمحاولة الإنسلاخ من الأصل و عدم إظهار أي تضامن مع فقراء الوطن. أغنياء جدد همهم الوحيد البروز و ولوج دوائر القرار و المناصب السياسية … الخ و الأمثلة كثيرة و يعرف المغاربة عدة نماذج منها. و يبقى هؤلاء الأثرياء أشقياء في حيواتهم لأنهم دائماً متوجسون من الغد ، و غالبيتهم لا ينامون و هم يضعون رؤوسهم على الوسادة.