وجهات نظر

محمد بابا حيدة يكتب: دفاع عن بنموسى!

 محمد بابا حيدة
أظهرت نتائج دراسة حول الهدر المدرسي في المغرب، نشرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن في سنة 2015 وحدها، بلغ عدد التلاميذ الذي تركوا مقاعد الدراسة بشكل نهائي، أزيد من نصف مليون طفل، في مختلف المستويات الدراسية. وتؤكد نفس الدراسة، بعنوان “الأطلس المجالي الترابي للانقطاع الدراسي”، أن ما يُقارب نفس العدد يُغادرون الدراسة كل سنة. وهذا معناه أن المدرسة المغربية تلفُظ نصف مليون طفل سنوياً، بدون الحد الأدنى من التعليم. وإذا استمر الأمر على هذا الحال فإننا سنكون أمام مُجتمع غير متعلم في غضون العشرين سنة القادمة، بوجود أزيد من 10 ملايين شخص من فئة الشباب ممن غادروا الدراسة دون الحصول على التعليم الإلزامي.
اليوم نرى مئات الآلاف من أبناء المغاربة، منقطعين عن الدراسة، بسبب الإضرابات المتتالية بدون أفق، لا لشيء سوى أنهم الحلقة الأضعف في المنظومة، ويُستغلّون كـ”رهائن” و”دروع بشرية” في معركة ليست معركتهم، بعدما قرّر عشرات الآلاف من نساء ورجال التعليم خوض إضرابات عن العمل بسبب “خلافات” مع الوزارة الوصية حول النظام الأساسي الجديد. والكل يعلم أن كلّ يوم يقضيه أبناء المغاربة خارج الفصول الدراسية، لا يُعطّل مسارهم الدراسي والمهني فحسب، بل يُعطّل مسار البلد بأكمله.
الإضراب حق تكفله التشريعات الوطنية والدستورية، إلا أن انعكاسات الإضراب في التعليم ليست كإضراب عُمّال المصانع، فتعطيل الإنتاج في المَعمل لا يتضرر منه سوى صاحب المعمل، أما في التعليم فالأمر يتعلّق بـ”صناعة الإنسان” وبناء الأجيال، المتضرر الوحيد فيها هو التلميذ، وبرأسمال بشري يتم هدره. ففي نهاية المطاف، ستنتهي ولاية الوزير، وسيحقق الأساتذة مطالبهم أو جزءاً منها، لكن التلميذ لا يمكنه تدارك التعلّمات التي فاتته، مهما كانت الترقيعات. لذلك، فليس من المعقول أن تكون الإضرابات في هذا القطاع مفتوحة بهذا الشكل، وبدون أفق زمني، وخُطّة احتجاجية واضحة، في معركة هدفها الوحيد “كسر العظام”، وليتّسع صدر السادة الأساتذة لتقبّل هذا.
إن أي إصلاح، لا يتطلب إصدار نصوصٍ تشريعيةٍ وقانونية فحسب، رغم أهميتها القصوى، بل يظلّ رهيناً أيضاً بالغلاف المالي اللازم لتحقيقه، وهنا لا بد من قليل من الإنصاف في حق وزير التربية الوطني الحالي، شكيب بنموسى، لأنه “تجرأ” على تحمّل التبعات المالية التي يتطلّبها اعتماد النظام الأساسي الجديد، بتكلفة إجمالية بلغت 2.5 مليار درهم، نتيجة لفتح الترقية إلى الدرجة الممتازة في جميع الأسلاك، برسم سنة 2023، وسيتفيد منها أزيد من 27 ألف من نساء ورجال التربية والتكوين سنة 2024، إضافة إلى ملياري درهم إضافية نتيجة الترقية الاعتيادية، فضلاً عمّا يتطلبه تنزيل مشروع “المدرسة الرائدة” من تمويل.
لقد كان من السهل على الوزير الحالي، أن يحذو حَذْوَ من سبقوه على مدى 20 سنة الماضية، ولا يقترب نهائياً من ملف الموارد البشرية الحارق، ويكتف بتنزيل خارطة الطريق 2022-2026، في بُعدها التقني والبيداغوجي. حينها، سيكون الوضع “أفضل”، من الناحية السياسية، وسيظّل نساء ورجال التعليم منقسمين على بعضهم في تنسيقيات فئوية، كل منهم يرفع ملفّه ويقول “نفسي نفسي”، لكن الانتقال بإصلاح من الكلام إلى الفعل، يحتاج جُرأة سياسية ومالية، لم يستطع عدد من الوزراء السابقين التحلّي بها.
الآن جميع تصريحات بنموسى ومسؤولي الوزارة في عدد من البرامج التلفزية، تُفيد بأن هناك استعداد لتعديل بعض بنود النظام الأساسي، إلى جانب تشكيل لجنة من أربعة وزراء برئاسة رئيس الحُكومة للنظر في مطالب الأساتذة لتعديل ما يسمح به السياق الحالي بتعديله، وفي الجهة المُقابلة، يستمر الإضراب والإضرار بأبناء المغاربة، وتصعيد في لهجة الخطاب من بعض السادة الأساتذة، أو من يتحدّثون باسمهم، في غياب، إلى حدود الآن، لأي خطوة معقولة، كتقديم مُذكّرة في شأن النظام الأساسي أو طرح تصوّر شامل لما يجب أن يكون عليه هذا النظام في جميع أبعاده.