هكذا خسر المهداوي أمام القضاء الإداري

لم يكن قرار المحكمة الإدارية بالرباط، الصادر بتاريخ 23 دجنبر 2025، مفاجئاً من زاوية قانونية بقدر ما كان كاشفاً لاختلالات عميقة في الطريقة التي دُبِّر بها طعن حميد المهداوي ضد قرار لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، التابعة للجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر. فالحكم القطعي القاضي برفض الطعن لم يدخل في جوهر النزاع ولا في خلفياته السياسية أو الإعلامية، بل حسم المسألة من بابها الإجرائي والمسـطري.
القضية في أصلها تتعلق بقرار تأديبي يقضي بسحب البطاقة المهنية للمهداوي لمدة سنة، على خلفية تصريحات صحافية تضمنت، حسب ما ورد في قرار اللجنة، سباً وقذفاً في حق مسؤولين عموميين، بل وتجاوز ذلك إلى عبارات مسيئة لأمهاتهم، مع تكرار هذه الأوصاف في أكثر من مناسبة. غير أن المهداوي، بدل أن يركّز على احترام شروط التقاضي الإداري، اختار خوض معركة قانونية اتسمت بالتسرع وسوء التقدير المسطري.
أول أخطاء المهداوي، وهو الخطأ الحاسم، تمثل في الطعن في قرار غير نهائي. فالمسطرة التأديبية داخل هيئات التنظيم الذاتي للصحافة تمر بمراحل، والقرارات التمهيدية أو الصادرة في سياق داخلي لا تكون قابلة للطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري إلا إذا أحدثت أثراً قانونياً نهائياً ومباشراً. هذا المبدأ مستقر في اجتهاد القضاء الإداري، وأي طعن يُرفع قبل أوانه يكون مآله الطبيعي عدم القبول.
الخطأ الثاني يرتبط بعدم استنفاد المسطرة التأديبية الداخلية. فطالما أن النصوص المنظمة تتيح مسارات داخلية لإعادة النظر أو البت النهائي، فإن اللجوء المباشر إلى القضاء يُعد قفزاً على هذه المراحل، ويُفقد الدعوى أحد شروط قبولها الأساسية. القضاء الإداري لا يُستدعى إلا بعد اكتمال المسطرة الخاصة، لا قبلها.
كما شاب الطعن قصور واضح في تحديد القرار المطعون فيه. فدعوى الإلغاء تقتضي تعيين القرار تعييناً دقيقاً، من حيث طبيعته وتاريخه وآثاره القانونية. أي غموض أو خلط بين قرار تمهيدي وآخر نهائي يُعد عيباً شكلياً قاتلاً، لأن القاضي الإداري لا يمكنه مراقبة مشروعية قرار غير محدد المعالم.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ سُجّل أيضاً نقص في إرفاق الوثائق الجوهرية، وعلى رأسها نسخة من القرار المطعون فيه وما يثبت تبليغه أو العلم اليقيني به. وهي عناصر لا تُعد شكليات ثانوية، بل شروطاً جوهرية لقبول الدعوى، مهما كانت قوة الدفوع الموضوعية المثارة.
الخطأ المنهجي الأبرز تمثل في الانتقال المباشر إلى مناقشة الدفوع الموضوعية، من قبيل الاختصاص وحقوق الدفاع والشرعية الإجرائية، قبل تجاوز عتبة القبول الشكلي. فالقاضي الإداري، من حيث المنهج، لا يناقش الجوهر إذا سقط الطلب شكلاً. وبالتالي، ظلت كل تلك الدفوع، مهما بدت مثيرة إعلامياً، دون أثر قانوني فعلي.
في خضم هذا المسار، حاول المهداوي ودفاعه توظيف فيديو مسرّب لاجتماع لجنة أخلاقيات المهنة، تم الحصول عليه بطرق غير قانونية، في محاولة لإثبات الاستهداف أو الطعن في نزاهة المسطرة. غير أن القضاء لا يبني أحكامه على وسائل إثبات مشوبة بعدم المشروعية، بل قد ينقلب استعمالها على صاحبها بدل أن تخدم قضيته.
ويزداد المشهد تعقيداً مع المواقف العلنية لعبد الله البقالي، عضو لجنة الأخلاقيات، الذي عبّر في تسجيلين مصورين عن تضامنه مع المهداوي واعتبره “مظلوماً ومستهدفاً”، دون أن يقدم أي تعليل قانوني أو حجة مؤسساتية. وبعد صدور حكم المحكمة الإدارية، يطرح هذا الموقف أكثر من علامة استفهام حول كيفية التوفيق بين الانتماء إلى هيئة تأديبية واحترام أحكام القضاء من جهة، والتعبير عن مواقف شخصية مناقضة لها من جهة أخرى.
خلاصة القول إن المهداوي لم يخسر معركته أمام القضاء الإداري بسبب ضعف حججه في الجوهر، بل بسبب أخطاء مسطرية قاتلة في المدخل. الحكم لم يقل إن القرار التأديبي مشروع أو غير مشروع، بل قال إن الطعن لم يُقدَّم وفق القواعد التي يفرضها قانون دعوى الإلغاء. وهي رسالة واضحة لكل المتقاضين: في منازعات الإلغاء، احترام المسطرة ليس تفصيلاً، بل هو أساس العدالة الإدارية، ومن دونه تسقط أقوى القضايا قبل أن تُسمَع.


