مغاربة عالقون بين تعثر موقع “دعم السكن” وصمت الوزارة

منذ أسابيع، يعيش آلاف المواطنين المغاربة حالة من الترقب والغضب بسبب استمرار تعطل الموقع الإلكتروني المخصص لبرنامج “دعم السكن”، الذي أطلقته وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، تحت إشراف الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري. الموقع، الذي يمثل البوابة الوحيدة للتسجيل والاستفادة من هذا البرنامج الطموح، لم يعد يشكّل أداة لتيسير الولوج إلى الدعم بقدر ما تحوّل إلى عقبة بيروقراطية رقمية تهدد بإجهاض حلم امتلاك السكن لدى عدد كبير من المواطنين، لاسيما أولئك الذين التزموا بتسبيقات مالية لفائدة المنعشين العقاريين.
تزامن هذا التعطّل مع موجة تسجيل كثيفة من قبل المستفيدين المحتملين، ما أدى إلى اكتظاظ رقمي في ظل بنية تقنية يبدو أنها غير مهيأة لاستيعاب الضغط. لكن الأخطر من ذلك أن فترات العطل المتكررة امتدت لأيام طويلة، دون تقديم أي تفسيرات رسمية شفافة أو جدول زمني للإصلاح. وعندما يشتغل الموقع بشكل جزئي، فإن المستخدمين يجدون أنفسهم أمام واجهات غير مستقرة، صفحات تعلق أو تنقطع، وطلبات لا تُحفظ، مما يزيد من قلق الأسر التي دفعت مبالغ مسبقة وتنتظر فقط المصادقة الرقمية لتأمين سكنها.
في غياب بلاغ رسمي يشرح تفاصيل العطل وأسبابه، راجت فرضيات تربط بين هذه الأعطاب التقنية والهجوم السيبراني الأخير الذي استهدف عدداً من المواقع الحكومية، من ضمنها موقع الضمان الاجتماعي. وقد عزز هذا الربط غياب الشفافية، والتعتيم المتواصل من طرف الوزارة الوصية، وكأن الأمر لا يستدعي تدخلًا استعجاليًا رغم حجم المتضررين.
ما يضاعف من ثقل الوضع هو أن برنامج “دعم السكن” أُطلق في إطار تصور سياسي كبير يروم تسهيل الولوج إلى الملكية العقارية للفئات المتوسطة والضعيفة، وهو ما جعل منه وعدًا حكوميًا محوريًا. إلا أن الفشل التقني الذي رافق إطلاق هذا البرنامج، والتحفظ الحكومي في التواصل مع الرأي العام بشأنه، بدأ يُفرغ هذا الوعد من مضمونه ويهز الثقة في قدرة الدولة على مواكبة التحول الرقمي.
الواقع أن عدداً من المستفيدين الذين تحدثوا لوسائل الإعلام أكدوا أنهم باتوا في وضعية “معلقة”، بعدما دفعوا تسبيقات مالية للمقاولين أو المنعشين، ووقعوا عقوداً مبدئية، غير أن الحصول على الدعم صار مرهوناً بموقع إلكتروني لا يشتغل. بعضهم خسر فرصته في امتلاك الشقة بسبب التأخير، والبعض الآخر يعيش ضغطاً نفسياً واجتماعياً شديداً، وهو يتنقل بين إدارة وأخرى بحثاً عن حل مؤقت.
ورغم أهمية الجانب الرقمي في تسهيل المعاملات، إلا أن الاعتماد الكلي على منصة إلكترونية دون توفير بدائل ورقية أو تكنولوجية موازية، يعتبر مخاطرة، خصوصاً في بلد ما تزال فيه نسبة كبيرة من المواطنين تفتقر إلى المهارات الرقمية أو تعاني من ضعف تغطية الإنترنت في المناطق النائية. وهنا تُطرح أسئلة جوهرية عن مدى جاهزية الدولة فعلياً للانتقال إلى الرقمنة، وهل تعني “الرقمنة” فقط تحميل المسؤولية على المواطن، أم أنها تتطلب أيضاً حكامة رقمية صارمة، ومواكبة تقنية متواصلة.
من جهة أخرى، فإن صمت الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري أمام هذا الخلل غير المسبوق يطرح علامات استفهام عديدة. فلا تصريحات تطمئن المواطنين، ولا بلاغات تُقدّم توضيحات، ولا حتى اعتراف بوجود مشكلة عميقة تتطلب حلولاً عملية. وكأن الوزارة تفضّل المراهنة على الزمن، في انتظار أن ينسى المواطنون معاناتهم، أو يتأقلموا مع وضعٍ غير مقبول أصلاً.
ما يقع اليوم ليس مجرد عطب تقني، بل اختبار حقيقي لمدى احترام الإدارة لحق المواطنين في المعلومة، وفي الخدمة العمومية، وفي الشفافية. وقد يكشف هذا الملف عن هشاشة النموذج الرقمي الذي تتبناه الدولة، والذي يبدو أنه يفتقر إلى الحماية السيبرانية الكافية، وإلى الصيانة الوقائية، وإلى منظومة تواصلية واضحة.
وإذا لم تتحرك الوزارة بشكل فوري لتوضيح ما يجري، وتقديم خطة استعجالية بديلة تضمن استمرارية البرنامج، فإن أزمة الثقة ستتفاقم، وسيتحول مشروع “دعم السكن” من فرصة وطنية إلى نموذج في الفشل الإداري. أما المواطنون، فهم من يدفعون الثمن، ليس فقط مالياً، بل أيضاً من راحتهم النفسية واستقرارهم الاجتماعي، وهم يُترَكون لمصير مجهول أمام موقع لا يشتغل، ووزارة لا ترد.