سياسة

الملك والإخوان

نشر موقع “زون24” الاثنين قبل المنصرم افتتاحية بعنوان “الإسلاميون والنظام”، وهي الافتتاحية التي سبقت المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية المنعقد نهاية الأسبوع المنصرم ببوزنيقة، لمناقشة فكرة مفادها أن النظام السياسي في المغرب ليس هو النظام السياسي المصري أو التونسي أو الجزائري، وأن الإخوان المسلمين في المغرب قطعاً ليسوا هم إخوان مصر أو تونس، ولهذا فقد قاد حزب العدالة والتنمية الحكومة لعقد من الزمن دون أن تقع أي مصيبة، أو تسجل حملة اعتقالات في صفوف قياداته، أو يدخل قادته السجون كما حصل في تجارب أخرى.

بعد الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس إلى عبد الإله بنكيران بمناسبة إعادة انتخابه أميناً عاماً لحزب العدالة والتنمية، حاول البعض أن يقرؤها خارج سياقها الطبيعي، وذهبوا إلى تأويلات تتجاوز التقاليد المتعارف عليها في الممارسة السياسية المغربية. فالملك، بحكم الدستور، فوق الأحزاب، وهو رمز وحدة الأمة وضامن التوازن بين مؤسساتها، ولا يمكن اختزال تهنئة بروتوكولية في موقف سياسي أو اصطفاف مع طرف ضد آخر. إن التهنئة التي بعث بها الملك لبنكيران، هي نفسها التي يبعثها لكل أمين عام يُنتخب، من أي حزب كان، يسارياً أو يمينياً، إسلامياً أو حداثياً.

الأخطر من ذلك، أن بعض من يحاول النفخ في نار “العداء” بين الدولة والإسلاميين، هم فئة من الأكاديميين والمثقفين، الذين يُفترض فيهم الرصانة والاتزان، فإذا بهم يتورطون في ترويج خطاب الإقصاء، وتصنيف الناس على أساس الولاءات الإيديولوجية. هؤلاء، بدل أن ينكبوا على تحليل التجربة السياسية المغربية في سياقها الخاص، يلجؤون إلى استنساخ تجارب فاشلة من الجوار، ويُسقطونها على واقع مغربي متفرد في تاريخه وتطوره.

الحقيقة أن علاقة الدولة بالإسلاميين في المغرب شهدت تطورات هادئة ومحسوبة، لا تخلو من توتر في بعض المحطات، لكنها لم تصل إلى حد القطيعة أو الصدام الدموي كما حدث في دول أخرى. لقد شارك حزب العدالة والتنمية في الحكم لعشر سنوات، وهو أمر ما كان ليحدث لولا وجود إرادة من الدولة في إدماج جميع الفاعلين في اللعبة الديمقراطية، طالما التزموا بثوابت الأمة وعلى رأسها إمارة المؤمنين.

من يصرّ اليوم على تصوير الإسلاميين كـ”خطر داهم” على الدولة، إنما يغفل عن حقيقة أن هذا التيار جزء من المشهد السياسي، وأن إبعاده لن يخدم لا الديمقراطية ولا الاستقرار. بل إن التجربة أثبتت أن فتح المجال أمام الإسلاميين المعتدلين، وفق قواعد اللعبة الديمقراطية، يساهم في تعزيز الانفتاح والتعدد، ويُفشل رهانات التطرف والتجييش.

إن العبرة التي يجب استخلاصها من السنوات الماضية، هي أن المغرب اختار طريقاً خاصاً في التعامل مع التيارات السياسية، يقوم على الاندماج لا الإقصاء، وعلى التوازن لا المواجهة. وهذا ما يجعل من “الاستثناء المغربي” نموذجاً يُحسب لا يُدان، ويستحق التقدير لا التشكيك.