الوردي متسائلاً..الفاعل السياسي من هو؟

الدكتور العباس الوردي: استاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط و المدير العام للمجلة الافريقية للسياسات العامة
يشكل الفعل السياسي بنية محورية تدور حول رحاها جملة من المقومات الاستراتيجية تبدأ من الشق المؤسسي المرتبط بالاحزاب السياسية لكي تنتهي عند سيف ذو حدين أولهما الاطار الحزبي المؤهل وثانيهما الناخب له سلطة الاختيار بين هذا الطيف الحزبي وذاك حسب درجة من الرضى والاقتناع ببرنامج الحزب ثم بكفاءة المرشح الحزبي والذي يصبح في اخر المطاف منتخبا يخوض غماز الممارسة السياسية من أوسع الأبواب المرتبطة أولا واخرا بتدبير قضايا الشأن العام.
ان الفعل لا بد له من فاعل ومستفيد وليس مفعولا به باللغة الأدبية الصرفة ، أمر يقودنا وارتباطا بوحدة الموضوع الى التساؤل عمن هو الفاعل السياسي.
الجواب على هذا السؤال لكي لا نقول إشكالية مرتبط بنقطتين مفصليتين ، تتعلق أولاهما بالجانب الفلسفي المرتبط باديولجية الطيف السياسي وتصوراته لتدبير الزمن السياسي فيما ثانيهما يرتبط بمدى جاهزية المعترك السياسي لتدبير الحياة السياسية على أساس من البراغماتية المرتبطة بنموذج الدولة الأمة عبر بوابة الفاعل السياسي الذي ماهو في أول واخر المطاف الا بنية بشرية تدخل معترك العمل الحزبي السياسي بهدف خدمة الصالح العام للوطن والمواطن .
وبخصوص السياق الحزبي المغربي الذي يتميز بميزة متفردة واستثنائية تفتقر اليها جملة من الدول وخاصة دول الجوار ، والتي تحمل عنوان تدبير قضايا الشأن العام في إطار دولة المؤسسات المتشبعة بدمقرطة الحقوق والواجبات في سياق يتسم بنظام سياسي تعددي ، فان الفاعل السياسي حاضر وليس بغائب ، وهذا ليس بحكم قيمة من لدن الكاتب ، ذلك أن واقع الحال الحزبي السياسي المغربي لينم عن وجود كفاءات وقامات لها من التشبع بالروح الوطنية العالية وبالرغبة الجامحة في خدمة قضايا الوطن والمواطن ما يؤهلها لتقلد مناصب تدبيرية ساهم من خلالها هؤلاء في تمكين المملكة من اعتلاء منصة الكبار في مجموعة من الميادين الاجتماعية والاقتصادية وغيرها ، غير أن واقع الحال وخاصة مع البنية الدستورية لسنة 2011 والمقترنة بأسين استراتيجيين عنوانها المساءلة والمحاسبة ناهيك عن نهج المملكة بتصورات حديثة في ظل العهد الجديد وخاصة فيما يتعلق بالنموذج التنموي الجديد بدرجة أولى ، أثبتت مجموعة من التناقضات الصارخة في اختيارات بعض الالوان السياسية لقياداتها وكذا مرشحيها الذين لم ياتوا بالجديد بل ويؤدي الامر في مجموعة من الاحايين الى عزلهم اعتبارا لضعف التدبير للمرافق العامة للدولة المرتبطة ارتباطا وثيقا بحقوق المرتفق أي المواطن الناخب .
ان الحديث عن ماهية الفاعل السياسي في هذه الفترة بالذات يرتبط بمجموعة من الظروف المحيطة والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر مضي أكثر من نصف الولاية الحكومية الحالية وكذا قرب الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026 ، محطتان أساسيتان وفي اتساق تام مع واقع الحال الذي يعبر عن نبض المجتمع سواء من خلال ردهات الاحزاب السياسية نفسها او مواقع التواصل الاجتماعي التي اصبحت ملاذا لمن لا لون حزبي له بل واصبحت تلعب دور المترافع في جملة من الاحايين عن سلة من الاشكالات المرتبطة بحقوق وواجبات المواطن .
لاجل ذلك ، فان التكوين المتزن والجيد للفاعل السياسي ليشكل الخيط الناظم لاعادة هيكلة المشهد الحزبي السياسي المغربي من أجل أن يحتوي الجميع ويعبر عن غاياتهم وطموحاتهم في قالب مؤسسي ديمقراطي عنوانه المشاركة السياسية الجماعية لكل المغربيات والمغاربة من طنجة الى الكويرة لابديل ، ينضاف الى هذا السياق نصف اخر من الحل ويتعلق الامر بانصاف الكفاءات والاطر الحزبية او اللامنتهية والتي من المفروض ان يتم دمجها في منظومة الاحزاب السياسية ، ذلك ان الممارسة السياسية المبنية على جودة التكوين ونظافة اليد لا تتوفر في مول الشكارة لوحده والذي وان توفر فيه شرطا الكفاءة ونظافة اليد فلا يمكن لاي كان ان يواجه متوقعه داخل الخريطة السياسية الحزبية .
لذلك فالفاعل السياسي المرغوب فيه في ظل العهد الجديد من الواجب ان يزاوج بين التأطير الجيد والذي يقترن بالشق المادي من جهة ، كما يجب عليه أن يكون صافي الذمة من الناحيتين المادية وكذا المعنوية .
ان أحزابنا السياسية من الواجب عليها ان تتحمل المسؤولية التاريخية قواعد وقيادات في التجاوب مع مطامح العهد الجديد ، وهو الخيار الذي لا يمكنها الوصول اليه الا عبر اعادتها للتعريف الذي تسوقه للفاعل السياسي الذي تحتاج اليه البنية التنموية المتجددة للمغرب الجديد.