دُروسٌ من العفوِ الملكي

لا أعتقد أن أحدا من الزملاء، كتاب الرأي والإفتتاحيات قد يكون دقيقاً في وصف الدروس المستخلصة من العفو الملكي على الصحافيين ومعتقلي الرأي، وخاصة توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي، بالقدر الذي سيصفه بعد سنوات من الآن هاشم الريسوني ورضى بوعشرين.
فاجأ الملك محمد السادس الرأي العام الوطني والدولي، وقدم هدية لمفهوم حرية التعبير، في الذكرى الفضية من حكمه (25 سنة)، بحيث لا يبدو الأمر غريباً على رئيس دولة سبق وأن وجه كلمات إلى السلطات يحثهم بعدم إعتقال من ينتقده، وهذه وحدها جرأة لا يمكتلكها معظم حكام العالم العربي على الأقل، حتى لا أقول الإفريقي.
وقبل أن يكبر هاشم ورضى، وقبل ان يقولا رأيهما في قرار أعاد بوعشرين من إفريقيا إلى بيته في الرباط، ولمن لا يفهم “بوعشرين وإفريقيا”، فإن توفيق المحكوم ب15 سنة سجناً نافذاً، أُحرج وهو يحاول ان يوصل لابنه أين يتواجد، فأكد له أنه في رحلة عمل بإفريقيا، وأما هاشم الذي دخل السجن في عامه الثاني في هذه الحياة ولم يتعرف على والده سليمان الريسوني الذي أكل منه الإضراب عن الطعام، فلا بد أن نسمع روايته ورأيه بعد أن يكبر ويصبح ناضجاً.
رؤيتي المتواضعة لدروس العفو، بصفتي ليس صديقاً مقرباً من سليمان الريسوني، ولكن كواحد ممن حضروا أغلب جلسات المحاكمات التي عاشت محكمة الإستئناف بالدار البيضاء أطوارها.
الدرس الأول: هو أن الملك أكثر إيمانا بالإختلافات وخاصة في المجال الصحفي، إذ أن المشهد الإعلامي في المملكة اضحى قريبا جدا من النموذج المصري، والحاجة إلى أقلام معارضة بعدما تغول عزيز أخنوش بإشهاراته وأخرس عدداً من الاقلام، وطبعاً يبقى سلاح الإشهار أمام المؤسسات الإعلامية أشد فتكاً من دبابات نتنياهو التي تفتك بأهالي غزة.
الدرس الثاني: بداية نهاية حلف التشهير والذي صوَّر نفسه خادماً للنظام ويتلقى الأوامر، حيث إتضح أنها إجتهادات فارغة لا علاقة لها بأي جهة نافذة في الدولة، وما العفو الملكي على ضحايا التشهير إلا دلالة من الدلالات التي يجب أن يلتقطها اصحابها وبعنوان عريض “متبقاوش تزيدو من راسكم وتديرو شي حوايج ما طلبهم منكم حد”.
الدرس الثالث: نحن أمام إنصاف ومصالحة بصورة جديدة، وسط الثورة التي يقودها الملك في عدد من القطاعات الإجتماعية، الإقتصادية والرياضية كان من الواضع أن الإنفراج السياسي لا يمكن أن يكون إلا برؤية متبصرة للمؤسسة الملكية، التي تبقى الحكم الاول بين الخصوم على المستوى الداخلي.
الدرس الرابع: المغرب مقبل على تنظيم تظاهرات دولية مهمة أبرزها كأس العام المشترك مع إسبانيا والبرتغال والعفو الملكي أفضل صورة رسمتها انامل الملك محمد السادس عن الوضع الحقوقي في المملكة.