الدار البيضاء كما يريدها ملك البلاد
منقول عن مصطفى الفن بموقع آذار
قضى الملك محمد السادس بيننا هنا بالدار البيضاء، إلى حدود اليوم، أكثر من شهرين إذا ما استثنينا أسبوعا أو أقل من أسبوع ذهب فيه جلالته إلى فرنسا في رحلة خاصة..
كاتب هذه السطور شاهد جلالته، ببروطوكول أمني مخفف، وربما أكثر من مرة، وهو يقوم بجولات استجمامية بشوارع المدينة أو وهو يتوقف بسيارته عند الإشارات الضوئية الحمراء..
وهذه ربما هي أطول مدة يقضيها الملك محمد السادس بهذه المدينة العملاقة التي قال عنها هو شخصيا، ذات خطاب، في جلسة افتتاحية للبرلمان في أكتوبر 2013:
“أعرف (الدار البيضاء) جيدا، وتربطني بأهلها مشاعر عاطفية، من المحبة والوفاء، التي أكنها لجميع المغاربة”..
بل إن الملك تحدث في الخطاب نفسه أيضا عن مشروع أكبر لأكبر مدينة في المغرب وهو وجود “إرادة قوية لجعل الدار البيضاء قاطرة للتنمية وقطبا ماليا دوليا”..
لكن، ورغم مرور أكثر من 10 سنوات على هذا الخطاب “الناري” الذي رصد فيه ملك البلاد الكثير من الاختلالات ومعها الكثير من الأعطاب لهذه المدينة..
ورغم الأموال والميزانيات الضخمة التي تم رصدها للدار البيضاء مقارنة ببعض المدن الأخرى إلا أن هذه المدينة ظلت مدينة التناقضات..
وظلت مدينة المفارقات..
وظلت مدينة لا تذكر إلا مرتبطة بأسوأ نموذج ترابي في التسيير وفي التدبير..
وظلت مدينة مرتبطة بسوء الحكامة وبالاغتناء المفاجئ لبضعة “قطاع طرق” بلا ماض في الثراء ولا في عالم المال والأعمال..
وظلت الدار البيضاء مدينة مرتبطة، في الأدهان، بليل “عين الذياب” عوض أن تكون مدينة مرتبطة بمخطط تنموي وبرؤية ممتدة في الزمن ومصممة لاستيعاب الأجيال القادمة كما هو حال كل المدن العالمية والكبيرة..
وظلت الدار البيضاء أيضا مدينة مرتبطة في الأذهان بمافيات السطو على العقار إلى درجة أن هذه المافيات كادت أن تسطو حتى على القرار داخل المؤسسات والمجالس المنتخبة وربما غير المنتخبة أيضا..
كما ظلت الدار البيضاء أيضا مدينة مرتبطة، في الأذهان، ببعض أصحاب السوابق الذين أصبحوا يتحكمون في الخريطة الانتخابية وفي التزكيات الانتخابية المذرة للدخل والجاه والنفوذ..
بل إن البعض من هؤلاء زاوجوا بين السياسة وبين النصب والاحتيال وبين الاتجار في المخدرات وبين الاتجار في كل شيء يتحرك فوق الأرض..
وربما لهذا السبب، وجد البعض نفسه في السجن وآخرون اختاروا المنفى، فيما اضطر صنف ثالث إلى الاختباء والتواري إلى الخلف في انتظار أن تمر العاصفة..
وظلت الدار البيضاء أيضا مدينة مرتبطة بنخب وبمنتخببن بعضهم وربما جلهم لهم تنازع المصالح ولهم تعدد المسؤوليات ولهم ملفات جارية أمام المحاكم..
حصل هذا حتى أننا سمعنا أن هناك حديثا عن تفويض التعمير بأكبر مدينة لصاحب أكبر وأخطر ملف في خروقات التعمير وفي السطو على أرض مملوكة للدولة عبر كاتبته الخاصة بقلب الوازيس..
ورأيي أن تفويض التعمير بأكبر مدينة إلى صاحب ملف بهذا الثقل وبهذه الخطورة ولا زالت تحقق فيه الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، هو، ربما، أكبر تسفيه وأكبر تبخيس للخطابات وللتعليمات الملكية في مجال تخليق الحياة السياسية وفي تخليق تدبير الشأن العام..
طبعا، بعض الولاة (وأقول البعض لا الكل) الذين تعاقبوا على إدارة الدار البيضاء يتحملون نصيبهم من المسؤولية في هذه الصورة القاتمة التي علقت بهذه المدينة المترامية الأطراف..
ودعوني أحكي لكم “بعض” ما قاله لي العمدة الأسبق للدار البيضاء محمد ساجد، ونحن نتبادل أطراف الحديث في منزله في سياق مضى، عن وال سابق مر من هذه المدينة:
“هذا الوالي كارثة”..
وعندما سألت ساجد عما يقصد من هذه العبارة، فقد فهمت من الجواب بأن المعني بالأمر، الذي عينه جلالته على رأس العاصمة الاقتصادية للبلد، أهضر الكثير من زمن البيضاويين ومن زمن البيضاء ومن زمن تنمية البيضاء..
والسبب هو أن سعادته كان لا يتحرك من مكتبه إلا إذا نزلت “التعليمات” من الوزارة الوصية ومن المركز..
ولن أطيل في باقي التفاصيل حتى لا أنسى ما هو أهم..
والأهم اليوم هو أن أننا شعرنا ربما، مع مجيء وال جديد، بأن الدار البيضاء “تتحرك” على غير العادة وعلى غير الوتيرة وعلى غير الدينامية التي ألفناها مع ولاة سابقين..
ولن أنثر ورودا على أحد إذا ما قلت إننا فعلا أمام وال جديد يمارس صلاحياته ويحظى بالثقة الملكية ويشتغل ضمن فريق عمل فيه المنتخبون وفيه المعينون وفيه ربما كل من هو معني بالنهوض بالمدينة..
كما أننا أمام وال جديد “تحرر” كليا من “معيقات” ماض كان فيه بعض رموز حزب البام يتحركون ربما كجزء من “بنية موازية للدولة”، بتعبير حسن أوريد، الذي شغل في وقت سابق منصب الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي..
وربما يمكن القول أيضا إنه لأول مرة أصبح للدار البيضاء وال لا يجد ربما أي عائق مسطري حتى في الاتصال بوزراء آخرين من قطاعات أخرى كلما اقتضت المصلحة العليا للمدينة مثل هذه الاتصالات..
صحيح أيضا أننا لمسنا مع الوالي الجديد بعض السلاسة وبعض الانسيابية في تنزيل المشاريع العالقة وفي حركة السير وفي شق الطرقات وفي إصلاح الشوارع والأزفة..
لكن هذا لا يعني أن كل شيء يسير على أحسن ما يرام..
والواقع أن الدار البيضاء لا زالت في حاجة إلى الكثير من المجهودات ومن العمل ومن النحت على الصخر لكي تصبح مدينة عالمية نظيفة وخالية من المافيات..
وأيضا لتصبح مدينة جديرة باحتضان هذه الاستحقاقات والمنافسات الرياضية القارية والدولية التي ستقام ببلادنا خلال السنوات القادمة..