السلطة الرابعة

اليوم الوطني للإعلام..وقوف على التطور ومواكبة للتحديات

المجلس الوطني للصحافة

بقدر ما يشكل اليوم الوطني للإعلام (15 نونبر من كل سنة) مناسبة للوقوف على التطور الذي حققه الإعلام المغربي وما راكمه من مكتسبات، بقدر ما يمثل فرصة لأسرة الإعلام والصحافة الوطنية للوقوف أيضا على مكامن الضعف واستشراف مستقبل المهنة.

إن تطلعات المهنيين، مازالت مطبوعة بتجدد العديد من الأسئلة القديمة – الجديدة التي تحتاج لأجوبة من أجل توفير شروط إعلام وطني حر ومسؤول قادر على مواكبة التحديات التي تفرزها التطورات المحلية والدولية.
وإذا كان إصلاح المشهد الإعلامي يروم بالأساس بناء مؤسسات تتوفر على كافة الشروط المهنية والاقتصادية والاجتماعية في ميدان يتميز بالمنافسة الشديدة والسباق المحموم، فإن ما يثير الانتباه هو أن الإشكالات والصعوبات نفسها مازالت تواجه كل المقاولات الإعلامية تقريبا؛ الصحافة المكتوبة والإعلام السمعي البصري والإلكتروني، وإن بتفاوت.
فقطاع الصحافة المكتوبة مثلا يواجه إشكالات عدة تتعلق بضعف نسبة المقروئية والانخفاض المهول في مبيعات الصحف. فرغم المكتسبات المحققة في هذا القطاع، والمتمثلة أساسا في التوقيع على الاتفاقية الجماعية بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والجمعية المغربية للإعلام والنشر والوزارة الوصية، ورفع قيمة الدعم المخصص للصحافة المكتوبة، فإن وضع عدد من المقاولات الصحفية وأوضاع المهنين العاملين فيها لم يشهد تحسنا.
وفي هذا السياق، يؤكد عبد الصمد مطيع، أستاذ باحث ومدير مساعد مكلف بالتكوين المستمر والتداريب بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أنه يتعين على الصحافة المكتوبة، لكي تضمن استمراريتها، تبني استراتيجيات تحريرية تدعم المحتوى الإخباري والتفاعل مع الجمهور بشكل أفضل.
وأضاف مطيع أن تجارب متعددة في هذا الصدد أتت أكلها بالفعل، إذ يمكن للصحف استخدام وسائل التواصل الرقمي لزيادة التفاعل مع الجمهور عن طريق نشر المحتوى على منصات مثل فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام وغيرها، مما سيمكنها من زيادة قاعدة متابعيها.
كما يتعين على الصحف المكتوبة، يضيف المتحدث، إطلاق تطبيقات خاصة بالأخبار تسهل على الجمهور متابعة المحتوى بشكل سلس وسريع، والانفتاح بشكل أفضل على المحتوى المتعدد الوسائط كالفيديوهات والصور والرسوم البيانية والرسائل الصوتية وغيرها.
وفي الإعلام السمعي البصري، ورغم الطفرة التي تحققت في هذا القطاع إثر رفع احتكار الدولة وبروز عدد من القنوات الإذاعية وحتى التلفزيونية، فإن المشاهد والمستمع المغربي لم يجد بعد ضالته وبشكل كبير في المنتوج الإعلامي الوطني.
وفي هذا السياق، يؤكد الأستاذ الباحث ذاته أنه من حق المشاهد والمستمع المغربي الاستفادة من عرض تلفزيوني وإذاعي يعتمد على الجودة والمهنية، مبرزا أن وسائل الإعلام السمعي والبصري، مدعوة إلى تعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة لتوفير محتوى متنوع وجذاب للجمهور، إلى جانب تشجيع متابعيها على التفاعل، واستخدام تحليلات البيانات لفهم اهتمامات وسلوك المستخدمين وضبط المحتوى بشكل أفضل لزيادة جذبه.
كما أن تنويع المنتوج الإعلامي، يضيف مطيع، أصبح ضرورة ملحة اليوم في ظل العرض الهائل الذي ينافس المنتوج الوطني، مشيرا إلى أن القنوات التلفزيونية الموضوعاتية مثلا، تحتاج اليوم إلى مراجعة لشبكاتها البرامجية مع ضرورة الانفتاح على مواضيع جديدة تواكب الدينامية التي يعرفها المجتمع والاقتصاد المغربيين.
أما المحطات الإذاعية، يردف مطيع، فبدورها، تبقى في حاجة ماسة إلى التطور من أجل الانفتاح على مواضيع ذات أولوية بالنسبة لكافة شرائح المجتمع. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال فهم أفضل لاهتمامات الجمهور واعتماد شبكات برامجية تنفتح أكثر على مفهوم القرب والتحرر من النماذج الاقتصادية الهجينة.
وبخصوص واقع الصحافة الإلكترونية، وما إن كانت قد أسهمت في الاستجابة لتعطش الجمهور الملتقي لمنتوج خبري يلامس انتظاراته، يؤكد مطيع، أن الأمر يتعلق بماهية المحتوى المقدم من قبل المنصات الرقمية الإخبارية.
فإذا كانت بعض هذه المواقع والمنصات قد ساهمت إلى حد ما في تعزيز النقاش السياسي والاقتصادي الوطني وتفعيل مفهوم القرب على أرض الواقع ومواكبة قضايا المواطن بدرجة أكثر مهنية، فإن ذلك يظل مرتبطا بنماذج معدودة ومتفاوتة من حيث حصيلتها من الجودة والمهنية.
وترتبط قدرة هذه المواقع، على تقديم محتوى مفيد ومهم يلبي احتياجات واهتمامات الجمهور المتلقي، بمدى تفاعلها مع توقعات متابعيها بشكل أفضل واستيعاب ردود فعلهم وملاحظاتهم لضمان تحسين جودة المحتوى.
وفضلا عن ذلك، يشدد مطيع، على أن الصحافة الإلكترونية تعاني وبشكل كبير من التبعات السلبية للثورة الإعلامية، بما في ذلك انتشار الأخبار الزائفة واستغلال بيانات مستخدمي الإنترنيت وتقلص الموارد وتراجع احترام أخلاقيات المهنة.
لكن هذه المعيقات، برأي الأكاديمي ذاته، لن تثني هذا الصنف الإعلامي عن الاستجابة لمتطلبات ورغبات الجمهور إذا عملت هذه المنابر على تطوير محتواها الإعلامي، وتحقيق التكامل مع مختلف أصناف الصحافة، سواء الورقية أو السمعية البصرية، والتي تشكل صلب كل مشهد إعلامي.

وعموما فإن تخليد اليوم الوطني للإعلام يشكل قبل كل شيء دعوة لحوار رصين وصريح من أجل تشخيص المشاكل والبحث بواقعية وإرادة عن حلول مناسبة لها تضمن أولا مصداقية الخدمة المقدمة و كرامة المهنيين القائمين عليها.