برلماني “البيجيدي” بسطات سابقاً يعود إلى واجهة مباريات التوظيف

لم يعرف إقليم سطات متصيّداً للفرص كما عرفه مع البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية (ح.ح) خلال ولايتين متتاليتين، الرجل الذي لُقِّب داخل الأوساط الطلابية والإعلامية بـ“مول الدكتوراه”. فقد شقّ طريقه نحو المقاعد الجامعية في زمنٍ كانت فيه الحركة الطلابية لخريجي التنظيم الإسلامي نفسه تعيش اختباراً عسيراً على أبواب إصلاح نظام الولوج إلى سلك الماستر، بينما كانت الجامعة محاصرة بتطويق أمني متزامن مع احتجاجات الإصلاح.
في ذلك الوقت، كان الشباب يناضلون تحت ضغط العنف الرمزي والتضييق على الحق في متابعة الدراسة، في حين كان المعني بالأمر منشغلاً باستكمال أوراق امتحانه، وهو يهمس لمن حوله بطمأنينة من يعرف وجهته، قبل أن يضمن لنفسه مقعداً في السلك الذي شكّل لاحقاً نقطة تحول في مساره السياسي والأكاديمي.
وخلال ولاية رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، عاد الرجل إلى الجامعة ليلج سلك الدكتوراه، ويحصل على شهادة الدكتوراه قبل نهاية الولاية بأشهر قليلة، في خطوة أثارت الكثير من الجدل، خصوصاً بعد محاولته الالتحاق بسلك التعليم العالي عبر وثائق اعتبرتها مصادر جامعية “مزوّرة”، بدعوى أنه كان يُدرّس. وهي المعطيات التي سارعت منسقة ماستر بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات إلى نفيها نفياً قاطعاً، مؤكدة أنه لم يكن ضمن الأطر البيداغوجية التابعة لها.
وبحسب وثيقة جديدة اطّلع عليها موقع “زون24”، فإن البرلماني السابق الذي تجاوز سن الخمسين وضع ملف ترشيحه مجدداً في مباراة التوظيف الخاصة بمعهد العلوم التمريضية وتقنيات الصحة بجهة الدار البيضاء-سطات، في محاولة متجددة للحصول على منصب وظيفي داخل القطاع العمومي، رغم الجدل الذي يرافق هذه الخطوة في سياق اجتماعي مطبوع بارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب حاملي الشهادات.
يعيد ترشح البرلماني السابق إلى قلب النقاش حول فلسفة مباريات التوظيف في المغرب، التي تقوم نظرياً على مبدأ تكافؤ الفرص والاستحقاق، وتمنح الأولوية للكفاءات الشابة القادرة على الاندماج المهني. لكن هذا المبدأ يصطدم في الواقع بممارسات “الصيد في الماء العكر”، حيث يحاول بعض السياسيين السابقين توظيف رصيدهم الاجتماعي داخل أحزابهم أو عبر علاقاتهم القديمة في مؤسسات عمومية، لتحقيق انتقال سلس نحو وظائف أكاديمية أو إدارية.
ويطرح هذا السلوك سؤالاً جوهرياً: هل تحوّل سلك الدكتوراه لدى بعض السياسيين إلى مجرد “وثيقة عبور” نحو مناصب أكاديمية، بدل أن يكون مساراً علمياً يتطلب تفانياً واشتغالاً بحثياً معمقاً؟
في الوقت الذي يضع فيه آلاف الشباب ملفاتهم سنوياً أمام بوابات المعاهد والمدارس العليا دون أن يحالفهم الحظ، يثير ترشح من تجاوز الخمسين نحو وظيفة موجهة بالأساس للكفاءات الشابة حساسية خاصة. فهذه المناصب من المفترض أن تساهم في امتصاص بطالة خريجي الجامعات حديثي التخرج، وتُوفر للأجيال الجديدة فرصة الاندماج في الحياة المهنية.
المسألة هنا ليست مرتبطة بالسن فقط، بل بوجود ممارسات تعيد إنتاج اللامساواة داخل مؤسسات الدولة، وتفتح الباب لتأويلات حول استغلال النفوذ أو البحث عن “مخرج آمن” بعد نهاية التجربة السياسية.
عودة برلماني “البيجيدي” السابق بسطات إلى واجهة مباريات التوظيف لا تشكل حدثاً عادياً، بل تكشف دينامية جديدة لسياسيين فقدوا مواقعهم الانتخابية ويحاولون اليوم إعادة التموضع داخل القطاع العمومي عبر الشهادات الأكاديمية. النقاش يتجاوز شخصاً بعينه، ليطرح سؤالاً أعمق حول مستقبل المناصب الجامعية، وحدود سلطة الأحزاب داخل المؤسسات العلمية، ومدى احترام مبادئ الاستحقاق وتكافؤ الفرص، خاصة في ظل عطالة خانقة تضرب بقوة فئة الشباب.


