دفاعاً عن حيكر

في واقعة سياسية جديدة تُعيد طرح سؤال الأخلاق قبل السياسة، تعرّض البرلماني عبد الصمد حيكر، عضو فريق العدالة والتنمية، لسبّ وشتم غير لائقين من طرف وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي خاطبه بوصفٍ منحط: “ولد الموسّخ”. واقعةٌ ليست عابرة ولا يمكن أن تمرّ كأن شيئاً لم يكن، لأن الأمر لا يتعلق بجدل سياسي بين أغلبية ومعارضة، ولا خلافٍ في تأويل نص قانوني داخل لجنة برلمانية، بل يتعلق بانزلاقٍ لغوي يمسّ جوهر “التمغرابيت” التي نريدها: مغربٌ يحترم مواطنيه ومؤسساته، ويضع الكرامة في صدارة السلوك العام.
لسنا هنا بصدد منح صكّ الطهرانية لأي حزب أو شخصية، فحيكر وغيره يظلّون جزءاً من مشهد سياسي فيه التفاوت وفيه النقاش وفيه الصراع الطبيعي. لكن ما صدر عن وزير العدل، وهو “وزير فوق العادة” كما يُوصف بسبب أسلوبه الصدامي الحاد، يندرج ضمن سلسلة من المواقف المستفِزّة التي أصبحت تُضعِف ثقة الناس في الخطاب الرسمي. وهبي الذي يفترض أن يكون وصيّاً على لغة القانون وميزان العدالة، اختار مجدداً لغة السوق، لغة الإهانة، لغة تنتمي إلى زمنٍ لا يليق بمسؤول حكومي يدير واحداً من أكثر القطاعات حساسية.
الوزير نفسه ليس جديداً على هذه السقطات؛ فقد سبق له أن أثار موجات من الغضب بسبب تصريحاته المتعالية، سواء حين هاجم مهناً بعينها أو حين سخر من طموحات عشرات آلاف الشباب أو حين اعتبر أن منصبه جاء بعد «تنازلات مؤلمة». كل ذلك يجعل واقعة سبّ حيكر ليست مفاجِئة، بل حلقة جديدة في مسلسل يزداد ابتعاداً عن الأخلاق والمروءة واحترام الناس. وفي المقابل، اختار حيكر خطاباً متزناً، رغم الاختلاف السياسي، مقدماً صورة برلماني يحافظ على أدبيات المؤسسة التشريعية لا على الانفعالات العابرة.
الرهان اليوم ليس على من انتصر في هذه المناوشة، بل على ما تبقّى من هيبة المؤسسات. السياسيون يذهبون ويجيئون، لكن أثر كلماتهم يبقى في الذاكرة العامة. المغرب الذي نريده، مغرب “التمغرابيت”، يتأسس على الاحترام المتبادل، على اللغة النظيفة، وعلى فهم بسيط: أن الكرامة ليست امتيازاً، بل حقّ. وأقل ما يُطلب من وزير للعدل هو أن يكون عنواناً لهذا الحق، لا طرفاً في إهداره.
دفاعاً عن حيكر؟ نعم، لأن الدفاع عن أي مواطن أُهين بهذه الطريقة هو دفاع عن القيم التي تجمعنا، قبل أن يكون دفاعاً عن حزب أو رأي أو موقع. والأهم: دفاع عن المغرب الذي يجب أن نرتقي إليه، لا المغرب الذي يجرّه بعض المسؤولين إلى أسفل.


