المركب الثقافي ببن أحمد.. مقصلةٌ للثقافة وفضاءٌ للتمييز

في خطوة وُصفت بأنها نكسة جديدة في مسار العمل الجمعوي والثقافي بالمدينة، تعالت أصوات عدد من الفاعلين الجمعويين تنديداً بما سموه “بيروقراطيةً قاتلة” تنهجها إدارة المركب الثقافي ببن أحمد، وصلت حدّ منع جمعيات مدنية من تنظيم ندوات وتظاهرات فكرية بحجج وصفت بأنها واهية وتمييزية.
مصدر من داخل إحدى الجمعيات المحلية صرّح لموقع “زون24” أن عدداً من الطلبات التي تقدمت بها جمعيات نشيطة بالمدينة من أجل تنظيم لقاءات فكرية وعلمية داخل المركب قوبلت بالرفض، فقط لأن موضوع الندوة يتناول قضايا قانونية أو اقتصادية. “هناك تخوف غير مبرر من بعض المواضيع، رغم أن الفضاء ثقافي وليس أمنيًّا أو إداريًّا تابعًا للداخلية”، يضيف المصدر.
وما يزيد الطين بلة، بحسب ذات المصدر، هو أن بعض الجمعيات طُلِب منها أداء مقابل مالي من أجل الاستفادة من فضاء المركب، رغم أن هذه الجمعيات لا تهدف إلى الربح، وتشتغل بإمكانيات جد محدودة، وغالباً بتمويل ذاتي. هذا الواقع يطرح أكثر من علامة استفهام حول معايير الاستفادة من الفضاء العمومي، ومدى التزام الإدارة بمبدأ تكافؤ الفرص بين مختلف مكونات المجتمع المدني.
في الوقت الذي يُفترض أن تكون المراكز الثقافية فضاءاتٍ مفتوحة لكل الفاعلين لتشجيع الفكر والنقاش والتعبير الحر، يبدو أن المركب الثقافي ببن أحمد اختار أن يتحول إلى فضاءٍ مغلق، يخضع لمنطق الانتقائية والتمييز. وهو ما يعمق الهوة بين من يحظون بتسهيلات غامضة ومن يتم صدّهم عند الباب.
هذا المنع لا يمكن فصله عن سياق أوسع تشهده المدينة، حيث تشتكي العديد من الجمعيات من غياب دعم حقيقي للنشاط الثقافي، ومن ضعف البنية التحتية الثقافية بشكل عام، ومن استمرار عقلية التحكم والتخوف من أي دينامية فكرية مستقلة.
إن حرمان جمعيات مدنية من حقها المشروع في التعبير والتنظيم، باسم تحفظات على طبيعة المواضيع أو تحت غطاء الأداء المالي، يشكل تضييقاً غير مبرر على حرية العمل المدني، ويتناقض مع التوجيهات الوطنية الداعية إلى تعزيز أدوار المجتمع المدني، وتوسيع هامش المشاركة والنقاش العمومي.
وإذا استمرت إدارة المركب الثقافي في هذا النهج، فإنها لن تكون سوى عامل فرملةٍ لكل محاولة لتنوير العقول وإشراك الشباب والمهتمين في قضايا مجتمعهم، وهو ما يعاكس تماماً روح دستور 2011، التي تنص على دعم حرية التعبير والعمل الجمعوي، ويطرح مسؤولية جماعة بن أحمد والوزارة الوصية في تصحيح هذا المسار المختل.
هل ننتظر تدخل عامل الإقليم أم سنشهد مزيداً من تكميم الفضاءات العمومية باسم “التحفظ”؟ سؤال تطرحه ساكنة بن أحمد، في ظل صمتٍ إداريّ لا يزيد الأمور إلا غموضاً واحتقاناً.