300 مليون جديدة يبدّدها المهدي بنسعيد

في الوقت الذي لا تزال فيه معظم دور الشباب عبر ربوع المملكة تُدار بمنطق “الدفتر والمسطرة”، وتُطلب فيه الوثائق الإدارية من المرتفقين كما لو أننا في زمن ما قبل الرقمنة، قررت وزارة الشباب والثقافة والاتصال ـ قطاع الشباب ـ صرف ما يُقارب 300 مليون سنتيم على “دراسة لإعداد خطة التحول الرقمي”، وليس على التحول الرقمي نفسه.
الصفقة التي تم فتح أظرفتها يوم 15 أبريل 2025 تهم أوربنة نظام المعلومات وإعداد خطة التحول الرقمي لقطاع الشباب، وقد رُسِّيَت بعد قبول أربعة متنافسين، من ضمنهم شركات استشارية معروفة، وأخرى شبه مجهولة مثل شركة BROME التي لا تظهر حولها معطيات واضحة في السجلات التجارية أو المهنية المتداولة.
وإذا كانت عبارة “التحول الرقمي” تلمع في الخطب والعروض التقديمية، فإن سؤال الجدوى والواقعية يظل مطروحاً بإلحاح: هل من المقبول أن تُصرف مئات الملايين على وثيقة إستراتيجية، بينما لا تزال جل دور الشباب عاجزة عن توفير الربط بشبكة الإنترنت أو تجهيزات الحواسيب الأساسية أو حتى كراسي وطاولات تليق باستقبال الشباب المغربي؟
الأدهى من ذلك أن الوزارة نفسها كانت قد اشتكت، في مناسبات سابقة، من ضعف الميزانية المخصصة لدعم الجمعيات والأنشطة الميدانية، ما يثير شكوكا حول أولويات الإنفاق العمومي، ومنهجية الوزير محمد المهدي بنسعيد في تدبير ميزانية القطاع. فمن غير المعقول أن تتذرع الوزارة بضعف الموارد حينما يتعلق الأمر بتحسين ظروف العمل في المراكز الشبابية، ثم لا تجد أي حرج في إطلاق صفقات استشارية بمبالغ ضخمة لا تثمر سوى المزيد من الوثائق المكتبية.
إن الاستنزاف التدريجي للميزانيات عبر قنوات الاستشارة والدراسات، دون نتائج ملموسة على الأرض، يعكس صورة فجة عن طريقة تدبير المال العام، ويطرح تساؤلات مشروعة حول من يستفيد فعلاً من هذه التحولات المعلنة. فهل الهدف فعلاً هو رقمنة الخدمات وتيسير ولوج الشباب إليها، أم أن الغاية هي ضخ أموال طائلة في جيوب مكاتب الدراسات، ضمن مقاربة بيروقراطية لا تُنتج تغييراً حقيقياً؟
المطلوب اليوم ليس ورقة طريق رقمية تكلّف مئات الملايين، بل سياسة شجاعة تتجه مباشرة إلى جوهر المعضلة: بنية تحتية متهالكة، موارد بشرية غير مؤهلة رقمياً، مراكز بدون تجهيزات أساسية، وشباب يشعرون بالإقصاء الرقمي والمؤسساتي في آن واحد.
وبينما الوزير بنسعيد يراكم الدراسات الاستراتيجية تلو الأخرى، تستمر المرافق التابعة له في العمل بأنظمة متجاوزة، ويتزايد التباعد بين الخطاب السياسي والواقع الميداني. وفي غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، تبقى هذه الصفقات مجرد حلقة إضافية في مسلسل طويل من تبذير المال العام باسم “الإصلاح الإداري” و”التحول الرقمي”.