المغرب

جمال لحرور..الشباب في واجهة النيابة العامة

في زمن يبحث فيه القضاء المغربي عن نفس جديد ودماء متجددة، يبرز اسم جمال لحرور كنموذج لافت لهذا الجيل الصاعد الذي اختار أن يحمل مشعل العدالة بكثير من الكفاءة والنزاهة والاستقامة. لحرور، ابن الأسرة المغربية البسيطة، لم يكن طريقه مفروشا بالورود، بل صنع مجده القضائي خطوة خطوة، بجهد وكدّ، بدءاً من مقاعد كلية الحقوق حيث حصل على شهادة الماستر في القانون، وصولا إلى المعهد العالي للقضاء الذي تخرّج منه قاضيا من قضاة النيابة العامة، ضمن القضاء الواقف، في واحدة من أكثر المحاكم الزجرية دينامية وضغطا: المحكمة الابتدائية الزجرية عين السبع بالدار البيضاء.

لم يكن هذا القاضي الشاب اسما عاديا في دواليب النيابة العامة، فقد طبعت مسيرته المهنية ملفات كبرى صنعت الحدث، أبرزها ملف شغب الملاعب، وهو الملف الذي هزّ الرأي العام البيضاوي والمغربي قاطبة، بالنظر إلى حساسيته وارتباطه بجمهورين هما الأكبر والأقوى في المغرب: جمهور الوداد وجمهور الرجاء. أدار لحرور هذه الملفات بحزم ومسؤولية، مستحضرا التوازن الدقيق بين الحفاظ على هيبة الدولة من جهة، وضمان حقوق الأفراد والمتقاضين من جهة أخرى، في معادلة صعبة لا يتقنها إلا القضاة الذين يحملون حسّا اجتماعيا عاليا وفهما عميقا للمجتمع.

لم يختبئ جمال لحرور خلف الجدران السميكة للمحكمة كما يفعل كثيرون، بل خرج إلى العلن، وظهر رمضان المنصرم في ندوة صحفية مهمة لتوضيح ملابسات قضية معقدة شغلت الرأي العام، تتعلق باعتقال أفراد أسرة مغربية ثبت تورطها في شبكة للنصب مرتبطة بأطراف أجنبية. خرج لحرور بلغة قانونية دقيقة، وبهدوء القاضي الواثق من ملفه، ليخاطب المواطنين والرأي العام، في سلوك غير مألوف يؤكد أن شباب النيابة العامة قادرون على الانفتاح والتواصل والشرح، بدل الاكتفاء ببلاغات باردة صمّاء.

لكن النجاح لا يمرّ دوما دون ضريبة. فكما يقول المثل “إذا طعنت من الخلف فاعلم أنك في المقدمة”، هكذا وجد جمال لحرور نفسه هدفا لسهام الانتهازيين وألسنة الحاقدين، بعضهم يهاجم من الداخل، وآخرون يلوذون بالخارج بحثا عن انتصارات وهمية في معارك افتراضية ضد قضاء بلادهم. غير أن هذه الضربات تؤكد، paradoxically، أن الرجل يسير في الاتجاه الصحيح، وأن أداءه المهني بدأ يزعج أولئك الذين لا يرون في النيابة العامة سوى أداة للمساومة أو التساهل، لا مؤسسة دستورية تحمي النظام العام وتصون الحقوق والحريات.

جمال لحرور يمثل اليوم صورة القاضي الشاب الذي يجمع بين التكوين العلمي الرصين، والتمرس المهني المتدرج، والقدرة على اتخاذ القرار في القضايا الحساسة، مع انفتاح على المجتمع والإعلام في حدود ما يسمح به القانون والأخلاق القضائية. ولعل ما تحتاجه النيابة العامة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو مثل هذه الطاقات الشابة التي تستطيع أن تُقنع الناس بأن قضاءهم ليس بعبعا غامضا، بل مؤسسة منفتحة تنصت للمجتمع وتشتغل من أجله.

في مدينة كالدار البيضاء، بكل ما فيها من تعقيد وغليان، ليس سهلا أن تكون نائبا لوكيل الملك في المحكمة الزجرية الأشهر، لكن جمال لحرور قبل هذا التحدي، وأثبت أن الجدية والصرامة والنزاهة تظل صمام الأمان لمن يريد أن يصنع لنفسه اسما نظيفا في سلك القضاء.

وفي انتظار أن تفرز التجربة مزيدا من الأسماء الشابة القادرة على حمل مشعل الإصلاح القضائي، يظل لحرور أحد الأسماء الواعدة في هذه المعركة النبيلة.