السكوري..مزاجية الوزير في إنهاء مهام مديرة “أنابيك”

تعيش وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، منذ تعيين يونس السكوري على رأسها، حالة من الارتباك والتخبط الإداري غير المسبوق، انعكست بشكل واضح على السير العادي لمصالحها المركزية والجهوية، وعلى مؤسساتها التابعة، وعلى رأسها الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (أنابيك) والمكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل، بالإضافة إلى المعهد الوطني للشغل ومعهد السلامة والصحة المهنية.
مصادر متعددة من داخل الوزارة ومن محيطها، تؤكد أن الوزير يعتمد في تدبير شؤون القطاع على مقاربة شخصانية ومزاجية، بعيدة عن المنطق المؤسساتي والقانوني الذي يُفترض أن يؤطر سلوك أي مسؤول حكومي، خاصة عندما يتعلق الأمر بإدارة الشأن العمومي والتعامل مع الأطر العليا للدولة.
وقد كان آخر مظاهر هذا التسيير المرتبك ما وقع مع المديرة العامة للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، إيمان بلمعطي، التي عُيّنت بموجب مرسوم قانوني وفق مسطرة دقيقة تخضع لموافقة رئيس الحكومة، وهو التعيين الذي لا يمكن إلغاؤه أو تعديله إلا بموجب نفس المسطرة، غير أن الوزير أصر على دفعها نحو تقديم استقالة “طوعية”، وهو ما رفضته بشدة معتبرة ذلك مسا بكرامتها كمسؤولة إدارية محمية بمقتضى القوانين التنظيمية الجاري بها العمل.
ورغم هذا الرفض، أقدمت الكاتبة العامة للوزارة بتاريخ 20 يونيو 2025 على زيارة مقر الوكالة وإبلاغ المديرة العامة بأن الوزير كلفها بمهام الإدارة العامة بالنيابة، في غياب أي قرار رسمي صادر عن الجهات المختصة بإنهاء مهام المسؤولة الحالية، مما يعد خرقًا سافرًا للمسطرة القانونية وضربًا لمبدأ استمرارية المرفق العام واستقلالية القرار الإداري.
ما وقع في أنابيك ليس استثناءً، بل هو جزء من نمط متكرر في تدبير يونس السكوري لمهامه، حيث لم تسلم أية مؤسسة تابعة للقطاع من موجة “الإعفاءات التعسفية” أو “التعيينات بالمزاج”، بحسب وصف مصادر متابعة. فقد عرف القطاع إعفاء ثلاثة مدراء عامين متعاقبين على رأس أنابيك، بالإضافة إلى ثلاثة كتاب عامين لقطاع التشغيل، وكاتب عام لقطاع التكوين المهني، وثلاثة كتاب عامين بالنيابة، فضلاً عن تغيير ثلاث مفتشين عامين، ومديرين للمعهد الوطني للشغل، ومديرين لمعهد السلامة والصحة المهنية، إلى جانب العشرات من رؤساء الأقسام والمصالح دون تقديم مبررات واضحة للرأي العام أو للجهات الرقابية المخولة قانوناً، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة للمالية.
مصادر مطلعة ترى أن الوزير يتصرف وكأن القطاع ضيعة شخصية، يعين فيها من يشاء ويبعد منها من يشاء وفق حسابات لا تمت للمصلحة العامة بصلة، وإنما تخضع لتقديرات ذاتية متغيرة ومبنية في كثير من الأحيان على الولاءات الشخصية أو الخلافات العابرة، وهو ما حول الوزارة إلى فضاء تسوده الضبابية، وتضرب فيه مبادئ الاستقرار الإداري والتخطيط الاستراتيجي في العمق، في الوقت الذي يحتاج فيه المغرب أكثر من أي وقت مضى إلى وزارة قوية قادرة على قيادة إصلاح سوق الشغل ومواكبة التحولات الاقتصادية العميقة التي تعرفها البلاد.
الغريب في الأمر أن الوزير، وهو المسؤول الأول عن احترام الحقوق الاجتماعية والمهنية للأجراء والموظفين، مارس ضغطًا نفسياً غير مسبوق على مسؤولة دولة من أجل دفعها إلى الاستقالة دون سند قانوني، رغم أن القانون يمنع ذلك ويقيده بشروط واضحة وصارمة، ما اعتبره البعض نوعاً من الترهيب الإداري الذي يتنافى مع أبسط قواعد الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وتذهب بعض الأصوات داخل الوزارة إلى القول إن ما يحدث اليوم هو امتداد لسلوك مهيمن لدى الوزير منذ توليه المنصب، يتمثل في تهميش كل الكفاءات التي لا تدين له بالولاء، ومحاولة تركيع الإدارة وفق مقاييس شخصية، مما أدى إلى تجميد شبه كامل لدينامية القطاعات الثلاثة الكبرى التي يشرف عليها: التشغيل، التكوين المهني، وإنعاش الكفاءات. فالمديريات المركزية باتت بلا رؤية، والمصالح الخارجية في حالة انتظار وترقب، والمؤسسات العمومية التابعة أصبحت تعيش اضطراباً غير مسبوق في مساراتها الاستراتيجية، رغم الحاجة الماسة لإصلاح عميق وشامل يستجيب لانتظارات الشباب والمقاولات.
ولم يتوقف الأمر عند حدود المؤسسات، بل شمل حتى رؤساء الأقسام والمصالح، الذين طالهم التغيير غير المفهوم في أكثر من مناسبة، وهو ما دفع عدداً من الأطر العليا إلى التعبير، في مجالسهم الخاصة، عن خشيتهم من مستقبلهم المهني في ظل هذه الفوضى التدبيرية، التي قد تعصف في أية لحظة بأي مسؤول لا يروق للوزير أو لديوانه.
اللافت في هذا المسلسل المقلق هو صمت رئاسة الحكومة، رغم أن القانون التنظيمي للمناصب العليا يجعل من رئيس الحكومة الضامن الأول لسير هذه التعيينات وإنهاء المهام، مما يطرح أكثر من سؤال حول حدود السلطة الفعلية للوزير في غياب مراقبة حقيقية من الجهات الأعلى منه في الهرم الحكومي. كما يطرح غياب المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية عن التدخل اللازم لتقويم هذه الاختلالات تساؤلات مشروعة حول مدى احترام معايير الحكامة والمساءلة في تدبير هذا القطاع الحساس.
في المقابل، يستمر ديوان الوزير في ممارسة كافة امتيازاته، من تنقلات وسفريات ومهام بالخارج، دون أثر ملموس على أرض الواقع، في وقت تعاني فيه الوزارة ركوداً وظيفياً وتراجعاً في القدرة على تنزيل السياسات العمومية المرتبطة بالتشغيل والتكوين، وهو ما يظهر بوضوح في ضعف البرامج الموجهة لفائدة الشباب والباحثين عن فرص الشغل، وفي تأخر إخراج المخططات المهيكلة الجديدة إلى حيز التنفيذ.
ما يقع اليوم داخل وزارة التشغيل ليس مجرد اختلاف في وجهات النظر بين الوزير وبعض المسؤولين، بل هو، كما تصفه مصادر عليمة، حالة سوء تدبير مزمن ناتجة عن غياب تصور مؤسساتي واضح، وعن تضخم النزعة الفردانية في ممارسة السلطة، مما يجعل من أي مشروع إصلاحي حقيقي رهينة لمزاج شخصي متقلب، لا يؤمن لا بالقانون ولا بروح الإصلاح.
ولا يُستبعد أن تجر هذه الممارسات الوزير نفسه إلى مساءلة قانونية أو سياسية في المستقبل القريب، خاصة إذا ما تحركت مؤسسات الرقابة المعنية للبحث في ما يجري من تغييرات مشبوهة وغير مبررة قانونياً في صفوف المسؤولين والأطر العليا، وهي تغييرات تهدد بفرملة أي إصلاح مرتقب، وتضرب في العمق مصداقية المرفق العام وثقة المواطنين فيه.
وفي انتظار ذلك، يبقى الأمل معلقاً على تدخل رئاسة الحكومة لوضع حد لهذا الانفلات الإداري الخطير، حماية لمبدأ دستوري أصيل هو ربط المسؤولية بالمحاسبة، وصوناً لما تبقى من هيبة الإدارة المغربية في قطاع حيوي مثل التشغيل.
أما الوزارة، فقد تحولت بفعل هذه الممارسات إلى إدارة مشلولة، لا تنتج، لا تخطط، ولا تستشرف المستقبل، سوى من خلال عيون الوزير وديوانه، وهي وضعية لا يمكن أن تستمر إذا كان هناك فعلاً حرص على تنفيذ التزامات المغرب في مجالات إصلاح سوق الشغل، والنهوض بالتكوين المهني، وتحقيق العدالة الاجتماعية.