عودة التبوريدة إلى بن أحمد

تستعد مدينة ابن أحمد لاحتضان واحد من أعرق وأهم تظاهراتها الثقافية، حيث يعود “موسم التبوريدة” ليضيء سماء المنطقة بعد غياب دام سنوات طويلة، في سياق يعكس رغبة متجددة في استعادة روح التقاليد الشعبية المغربية الأصيلة، وتعزيز الذاكرة الجماعية المحلية.
هذا الحدث الثقافي الكبير، الذي تنظمه جمعية أمراب للثقافة والتنمية، سينطلق ابتداءً من 24 يونيو الجاري ليستمر إلى غاية 29 من نفس الشهر، ويقام تحت شعار “ملتقى الثقافات”. ومن المنتظر أن يكون فضاءً للاحتفاء بفن التبوريدة المغربي، هذا الفن العريق الذي شكل جزءاً من الهوية الثقافية لجهة الشاوية – دكالة، لاسيما بمنطقة ابن أحمد، التي اشتهرت منذ عقود بفرسانها وفرقها المتميزة.
ستشهد ساحة العرض عروضاً مميزة لفرق التبوريدة، بمشاركة فرسان من مختلف قبائل الجهة، في لحظات فنية تجمع بين مهارات التحكم في الفروسية ودقة الطلقات النارية الجماعية، وهي من أبرز الموروثات التي تشد أنظار الزوار، كباراً وصغاراً. عودة هذا الموسم التقليدي، الذي غاب لسنوات لأسباب تنظيمية وظروف خاصة، يعتبره الكثير من أبناء المنطقة بمثابة إعادة الروح لمدينة ابن أحمد، التي ظلت على الدوام محطة أساسية في خريطة المواسم الفروسية بالمغرب.
لا يقتصر المهرجان هذه السنة على عروض التبوريدة فقط، بل يشمل أيضاً أنشطة ثقافية وفنية متعددة، من بينها سهرات فنية كبرى سيحييها فنانون مغاربة من مختلف الألوان الموسيقية، إضافة إلى فضاءات مخصصة للصناعة التقليدية، حيث سيعرض الحرفيون منتجاتهم المحلية، في مبادرة تروم دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمنطقة. كما سيحتضن المهرجان معارض فنية وورشات للأطفال، ولقاءات فكرية حول التراث المحلي، مما يحول الموسم إلى حدث ثقافي شامل يلامس كل الفئات العمرية والاجتماعية.
هذا الحدث لا يحمل فقط طابع الفرجة والمتعة، بل يعتبر أيضاً فرصة لإحياء الذاكرة الجماعية للمنطقة، وتذكير الأجيال الصاعدة بأهمية التراث المغربي الأصيل، كما يساهم في تحريك العجلة الاقتصادية محلياً من خلال تنشيط السياحة القروية، وخلق فرص مؤقتة للتشغيل في صفوف الشباب. الجهات المنظمة أكدت أن الدورة الحالية ستحرص على تقديم عروض في مستوى تطلعات الساكنة والزوار، مع احترام المعايير التنظيمية والأمنية، من أجل ضمان نجاح هذا العرس الثقافي الذي طال انتظاره.
عودة موسم التبوريدة إلى ابن أحمد تحمل بين طياتها رسالة أمل وإصرار على إعادة الاعتبار للتراث الشعبي، في زمن تزداد فيه الحاجة إلى تعزيز الروابط بين الأجيال، والحفاظ على الهوية الثقافية في وجه رياح العولمة. ويُنتظر أن يكون لهذا الحدث وقع خاص، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضاً ضمن الخريطة الوطنية للمواسم والمهرجانات، لما يمثله من رمزية تاريخية وتعبير عن غنى وتنوع الثقافة المغربية الأصيلة.