سلسة BAG..صورة مغلوطة عن شرطة المغرب

من بين الأعمال الدرامية التي أثارت اهتمام المتابعين خلال الموسم الجديد للسلسلات المغربية، جاءت سلسلة “BAG” للمخرج إدريس الروخ لتقدم تصوراً بوليسياً عن عالم الجريمة ومكافحتها داخل أروقة ولاية أمن الدار البيضاء. العمل كان من المنتظر أن يشكل نقطة تحوّل في تقديم صورة واقعية ومهنية عن كيفية اشتغال الشرطة المغربية، إلا أن النتيجة النهائية جاءت مخيبة للآمال، لا لضعف الإمكانيات التقنية أو غياب التشويق، بل لابتعاد السلسلة عن أبسط مقومات المصداقية في تصوير واقع اشتغال الضابطة القضائية.
أول ما يلفت الانتباه للمشاهد المتتبع، أن الحوارات داخل مكاتب الشرطة تبدو مصطنعة إلى حد كبير، تفتقد إلى تلك اللغة القانونية الدقيقة التي تميز محاضر الاستماع وتحرير التصريحات. لا أثر للإجراءات الشكلية التي ينص عليها القانون المغربي، سواء في طريقة تقديم المشتبه فيهم، أو في ما يتعلق بحضور المحامي، أو حتى بإشعار النيابة العامة، وهي كلها مقتضيات أساسية لا يمكن تجاوزها في أي عمل يروم نقل صورة صادقة عن جهاز الشرطة. في مشاهد كثيرة، بدا الأمر وكأن الضباط يمارسون صلاحيات مطلقة من دون قيود قانونية، وهو تصور لا يعكس حقيقة الممارسة اليومية، التي تقيدها مجموعة من الضوابط المسطرية الدقيقة.
طريقة التحقيق بدورها جاءت مشوهة، حيث أظهر المسلسل المحققين وهم يستجوبون المشتبه فيهم في ظروف أقرب إلى العفوية والارتجال، دون توثيق قانوني، أو احترام لما تفرضه المساطر من تحرير محاضر رسمية مضبوطة بالتوقيت، والمكان، وهوية الأطراف، وتوقيعاتهم. هذا التبسيط المفرط لعالم التحقيقات قد يُفهم في أعمال درامية خيالية، لكنه في حالة “BAG”، التي وعدت بمقاربة واقعية، يعتبر انزلاقاً خطيراً، لأنه يقدم للمشاهد المغربي، وللرأي العام عموماً، تصوراً مشوهاً عن كيفية صناعة المحاضر الجنائية التي قد تتحول لاحقاً إلى مستندات قضائية فاصلة في مصير المتهمين أمام المحاكم.
الأخطر من هذا أن السلسلة لم تقدم أي إشارات توضيحية للمشاهد كي يميز بين ما هو درامي متخيل وما هو واقعي مستقى من حقيقة العمل الأمني اليومي. المشاهد العادي سيعتقد بسهولة أن هذه هي فعلاً الطريقة التي يتم بها التحقيق وتحرير المحاضر في المغرب، وهو تصور يتعارض تماماً مع فلسفة العدالة الجنائية، التي تسعى منذ سنوات إلى إرساء معايير دقيقة تضمن الحقوق والحريات، وتفرض رقابة صارمة على عمل الضابطة القضائية تفادياً لأي تجاوزات أو خروقات.
كما أن العلاقات الإنسانية داخل مقر الشرطة، كما صورتها السلسلة، غلبت عليها النزعة الميلودرامية، حيث يظهر المحققون وكأنهم أشخاص يعانون مشاكل عائلية ومهنية تؤثر بشكل مباشر في طريقة تعاطيهم مع الملفات، وهو أمر قد يكون صحيحاً في بعده النفسي، لكنه لا يمكن أن يكون بهذه المباشرة والسطحية التي صورتها السلسلة، خاصة أن القانون يلزم عناصر الشرطة بالتجرد والحياد خلال مزاولة مهامهم، وعدم الخلط بين ظروفهم الشخصية ومسؤولياتهم القانونية.
الضعف الأكبر في العمل يتجلى في غياب مستشار قانوني واضح في فريق الكتابة، ما جعل النصوص الحوارية مليئة بالمصطلحات الفضفاضة أو المغلوطة، فضلاً عن عدم احترام التسلسل المنطقي لمراحل البحث الجنائي، من التبليغ، إلى المعاينة، إلى الاستماع، إلى تحرير المحضر وإحالته على النيابة العامة. هذه الفوضى السردية أفرغت العمل من مضمونه التوثيقي، وجعلته مجرد دراما ترفيهية، لا تمت بصلة إلى حقيقة العمل الشرطي كما يمارس يومياً في المغرب.
في النهاية، يمكن القول إن “BAG” ضيّعت فرصة ذهبية لتقديم عمل بوليسي رصين ينقل للمشاهد صورة دقيقة عن واقع التحقيقات الجنائية ببلادنا. والنتيجة أن السلسلة لم تساهم سوى في تكريس صور نمطية خاطئة عن الضابطة القضائية، بدل أن تساهم في رفع الوعي القانوني لدى الجمهور. هذا الإخفاق يعيد طرح السؤال حول مدى الحاجة إلى إشراك مهنيين ومتخصصين في القانون الجنائي والمساطر القضائية في مثل هذه الأعمال، حتى لا يتحول الإعلام البصري إلى مصدر لتضليل المشاهد بدل تنويره.