الإسلاميون والنظام

مع إعلان حزب العدالة والتنمية عن استضافة أعضاء من حركة حماس الفلسطينية في مؤتمره الوطني المقبل، تعالت أصوات معارضة وتباينت ردود الأفعال بين مرحب ومستنكر، وكأن المسألة تتجاوز طابعها التنظيمي الحزبي لتتحول إلى لحظة سياسية تستدعي إعادة قراءة العلاقة بين الإسلاميين والنظام السياسي المغربي.
إن الحديث عن الإسلاميين في المغرب، وتحديدًا عن حزب العدالة والتنمية، لا يمكن فصله عن تجربة فريدة في العالم العربي، تجربة عمرت أكثر من عقد في قيادة الحكومة، وسط عواصف الربيع العربي التي أطاحت بأنظمة وغيّرت خريطة الحكم في دول عديدة.
في مصر، سقط حكم الإخوان بسرعة بعد تجربة قصيرة مع الرئيس الراحل محمد مرسي، وفي تونس تعثرت النهضة في ضبط توازنات الدولة، ما جعل كثيرين يرفعون شعار “الإسلاميون لا يحكمون بل يُستغلون أو يُقصَون”. أما في المغرب، فالصورة مختلفة.
لقد استطاع الإسلاميون، عبر حزب العدالة والتنمية، أن يصلوا إلى الحكم بوسائل ديمقراطية، وأن يستمروا فيه بفضل استقرار النظام السياسي بقيادة الملك محمد السادس، الذي ظل، رغم اختلاف التوجهات الحزبية، حاميًا للدستور، ومؤمنًا بثوابت المملكة، وعلى رأسها فصل السلط، وكون المغرب وطنًا يتسع للجميع.
ولعل أكثر من عبّر عن هذه العلاقة الفريدة، هو عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب، في خرجاته المتعددة التي لم يتردد فيها في الإشادة بمعاملة الملك له بلطف واحترام، حتى في أصعب فترات التوتر السياسي. كان بنكيران يردد دومًا: “الملك هو الضامن، وإذا لم يكن الملك كذلك لضاع الوطن.” وهي شهادة من داخل التجربة نفسها تؤكد أن النظام الملكي لم يكن خصمًا للإسلاميين، بل كان صمام أمان لاستمرار العمل السياسي في جو من التعددية والتوازن.
هذه الدينامية الفريدة تجعل من الحالة المغربية استثناء إيجابيًا في محيط إقليمي مضطرب، فبينما كانت بعض الأنظمة ترى في الإسلاميين خطرًا يجب استئصاله، احتضنهم النظام السياسي المغربي وأشركهم في اللعبة الديمقراطية، مما خلق نوعًا من الترويض المتبادل والتطور السياسي من الجانبين.
اليوم، حين يُستدعى أعضاء من حماس لمؤتمر حزبي، فالأمر وإن أثار الجدل، يبقى محصورًا في الفضاء الحزبي ولا يمس جوهر النظام ولا ثوابته، لأن الجميع يدرك أن القرارات السيادية والدبلوماسية تصاغ في إطار أوسع، تحت قيادة ملك البلاد، الضامن لوحدة المملكة واستقرارها، والموجه لكل السلطات.
وحتى إن اختلفت التقديرات السياسية، فإننا في المغرب نعيش تجربة سياسية نادرة، عنوانها الاستقرار في ظل التنوع، والحكم في ظل تعدد الأصوات، والمعارضة في ظل الاحترام. وهذا ما لا تستطيع “الكارتونات” الخارجية، ولا الأبواق المُغرضة، أن تفهمه أو تهضمه.
إن المغرب، بقيادته الملكية، وبوعيه التاريخي، يمضي بثبات، لا يفرّط في مكتسباته ولا يغامر بمؤسساته، ويظل النموذج الذي يؤكد أن التعايش ممكن، وأن السياسة ليست حلبة صراع، بل ساحة شراكة ولو كره الكارهون.
ولأن المغرب ليس معزولًا عن محيطه، فإن الدور الذي تلعبه المؤسسة الملكية يتجاوز الداخل ليشمل التوازنات الإقليمية والدولية فقد تمكنت الدبلوماسية الملكية، بقيادة محمد السادس، من تعزيز موقع المملكة كلاعب موثوق ومعتدل، يجمع بين دعم القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والانخراط الفاعل في الشراكات الاستراتيجية مع القوى العالمية.
هذا التوازن، الذي قد يبدو معقدًا في عيون البعض، هو ما يجعل المغرب يحظى باحترام المنتظم الدولي، ويُجنّبه الاصطفاف الأعمى أو السقوط في سياسات المحاور.
فالمؤسسة الملكية، بحكمتها وبعد نظرها، تضمن ألا تتحول التوجهات الحزبية أو الحسابات الظرفية إلى تهديد لمصالح الوطن العليا. إنها البوصلة التي تبقي السفينة في المسار الصحيح، مهما اشتدت الأمواج.