افتتاحية

سلطة المعلومة

في عالم الصحافة، لا شيء يضاهي قوة المعلومة. فهي ليست مجرد معطى محايد، بل أداة تغيير وسلاح في يد من يُحسن استعماله. الصحفي الذي يمتلك المعلومة الدقيقة، المستندة إلى مصادر موثوقة، لا يكتفي بنقل الأحداث، بل يصبح فاعلاً في توجيه الرأي العام، وكشف الحقائق، ومساءلة مراكز القرار.

لكن في زمن الفوضى الإعلامية، لم تعد المعلومة حكراً على الصحفيين المهنيين، بل أضحت مرتعاً لمنتحلي الصفة، وركاب مواقع التواصل الاجتماعي، واليوتيوبرز الذين استسهلوا العمل الصحفي، متجاوزين أخلاقياته ومتطلباته. هؤلاء لا يلتزمون بقواعد التحقق أو أخلاقيات المهنة، بل يوظفون المعلومات – أو بالأحرى الإشاعات – لخدمة أجنداتهم الخاصة، سواء كانت بحثاً عن المشاهدات أو صناعة الإثارة أو حتى تصفية الحسابات.

اليوم، ومع طفرة الإعلام الرقمي، أصبح الوصول إلى المعلومة أسهل من أي وقت مضى، لكن المفارقة أن التضليل والتلاعب بالحقائق أصبحا أيضاً أكثر انتشاراً. هنا يبرز دور الصحفي المحترف، الذي لا يقف عند حدود المعطيات السطحية، بل يغوص في عمق التفاصيل، ويفتش عن الحقيقة في كواليس الأحداث. فالمعلومة الحقيقية لا تأتي بسهولة، بل تحتاج إلى مصادر قوية، متشبثة بالمصداقية، ومتفهّمة لدور الصحافة في خدمة الصالح العام.

غير أن الصحفي، مهما بلغ من المهنية، يظل رهيناً بمدى توفر المصادر واستعدادها للكشف عن الحقيقة. فهناك من يخشى تسريب المعلومات خوفاً من العواقب، وهناك من يوظفها لأغراض سياسية أو اقتصادية. وبين هذا وذاك، يجد الصحفي نفسه أمام تحدٍّ مزدوج: البحث عن المعلومة، وحمايتها من التلاعب أو الاستغلال.

في المشهد المغربي، يبقى الوصول إلى المعلومة أحد أكبر العوائق التي تواجه الصحافة المستقلة. فالقوانين، رغم وجود بعض الإصلاحات، لا تزال تعيق الشفافية الكاملة، والمسؤولون غالباً ما يفضلون الصمت أو التهرب من الأسئلة المحرجة. وفي ظل هذا الوضع، أصبح الفراغ الإعلامي يُملأ بمحتوى مشوّه، يقدّمه دخلاء على المهنة، يزاحمون الصحفيين الحقيقيين، ويقدمون للرأي العام جرعات يومية من الأخبار المضللة، دون أي التزام بأخلاقيات أو مسؤولية مهنية.

المعلومة سلطة، لكنها أيضاً مسؤولية. فامتلاكها ليس كافياً، بل يجب حسن استخدامها لخدمة الحقيقة، بعيداً عن الإثارة أو التوظيف المغرض. والصحافة، في جوهرها، ليست سوى ذلك الجسر الذي يربط بين المعلومة والرأي العام، بشرط أن يكون هذا الجسر قائماً على الصدق، النزاهة، والشجاعة في البحث عن الحقيقة.

في زمن الضجيج الإعلامي والتضليل الرقمي، لا ينجو سوى الصحفي الذي يعرف أين يجد المعلومة، وكيف يحميها من التزييف، وكيف يجعلها أداة لخدمة مجتمعه، وليس مجرد وسيلة للربح السريع أو الإثارة الزائفة.