وهبي والحكومة وقصة “المخموجة وراجلها”
بقلم محمد الشمسي
يستغل وزير العدل عبد اللطيف وهبي الهيمنة العددية للأغلبية الحكومية، مثلما يغتنم أفول نجم المعارضة التي لم يبق على ذكرها سوى أثر باهت، كحال الحفريات الدالة على تواجد الديناصورات ذات عصر، وينتهز ذات الوزير ثالثا حالة سكون الصحافة وسُكرها الذي يقارب التخذير أو الترويض، كل ذلك ليُلبس الوزير كل أمانيه ورغباته ثوب القوانين السارية، ويقدمها للمصادقة المضمونة.
ولنا في ظروف المصادقة على مشروع قانون المسطرة المدنية عبرة لمن لا زال في قلبه ذرة شك، ويكفي مقارنة عدد الأصوات التي حضرت وصوتت وتلك التي حضرت وامتنعت والثالثة التي حضرت وعارضت لتتضح الرؤية، من أن من حضر على قلتهم المهينة، امتثل لتعليمات الحزب، وإكراهات السياسة، وآثر مصلحة الإئتلاف الحكومي الثلاثي العجلات على مصلحة وطن سيحكمه قانون مريب لنصف قرن أو أكثر، وكان من غاب إنما غاب عن سابق قصد كي لا يكتب التاريخ اسمه في خانة المصوتين على قانون لم يرض عنه أهل الاختصاص لما فيه من تعسف في استعمال الحق في التشريع، ولما فيه من تشريع للإقصاء والميز بين المتقاضين، ولعل هذا ما جعل رئيس مجلس النواب الطالبي العلمي يقرر إحالة مشروع القانون المعلوم على المحكمة الدستورية لكشف مكامن عواره، درءا لكل فضيحة، وهي خطوة ما كان للرئيس المعني أن يتخذها لو لم يهمس له مقربون عارفون بانحرافات المشروع الذي صادق عليه نواب الأغلبية، وليظهر وهبي بعد ذلك منتقدا تصريح الطالبي العلمي، والسياسة كما هو معلوم مثل جبل الجليد يطفو ثلثه على مرآى العيون لكن الثلثين يظلان مستترين في الأعماق.
ويأتي مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية والمصادقة الحكومية على بنوده التي تقارب ال 500 مادة ليعزز الطرح القائل بأن ما يطبخه وزير العدل من مشاريع قوانين على مزاجه يقدمه للحكومة ثم للأغلبية البرلمانية ل”تأكله” كرها وجبرا، ولتقبل به وتصوت عليه صونا لأواصر ود التحالف الحكومي (وأشياء أخرى) ، ويكفي الإشارة إلى إقرار منع المجتمع المدني من المساهمة في رقابة حسن صرف وتدبير المال العام، بحرمانه من رفع الشكايات ضد المسؤولين عن الشأن العام، ولعل هذا القرار لم يكن نتاج مفاوضات ومشاورات ودراسات، بل إن الكل يتذكر يوم وقف وهبي مقسما متوعدا مهددا أنه سينسف حق جمعيات المجتمع المدني في رفع شكايات إلى الجهات المختصة لفتح أبحاث قضائية حول شبهات اختلاس وتبديد المال العام، وأثبت الواقع نجاعة عدد كبير من تلك الشكايات وكشفت مخططات إجرامية تم فيها لهف المال العام بطرق مفضوحة ما كانت ليصلها قضاة المجلس الاعلى للحسابات وغيرها من المؤسسات الدستورية التي منحها وزير العدل ذلك الحق دون غيرها، وهكذا يفي وهبي بما وعد به، من أنه لن يترك المسؤولين السالبين السارقين للمال العام وجها لوجه مع جمعيات تصطادهم بسهولة وتسوقهم نحو قاعات المحاكمة، وبدل تمتين آلية المراقبة لتحقيق أعلى نسبة من النجاعة فإن وزير العدل انضم للجاني ولعن المبلغ على الجناية، وصوتت الحكومة على ذلك تصويتا بلا تحفظ.
ومن الدرسين المذكورين، يتبين أن كل ما سيشخبطه وهبي وفريقه الاستشاري من مشاريع قوانين سيصير حتما قانونا نافذا مادام الأمر لا يحتاج إلا لأرقام تقعد على مقاعد سواء في الحكومة أو في البرلمان بغرفتيه، ولصحافة فقدت الأنياب والقواطع والأضراس وباتت في شكل مومياء هيكل وصورة بلا روح ولا نبض ولا غضب ولا تحليل ولا تهويل، تجتر عائدات الإشهار أو تتوسلها أو تقايض بها، وتهتم بسفاسف الأمور وقشورها بعدما امتهنا من مستواهم التعليمي هو (التحضيري + 7)
ولذلك لن يفوت وهبي الفرصة لتحرير مشروع قانون جنائي جديد يجرم فيها مايشاء ويبيح فيه ما يشاء ثم يعجن العجينة، ويلقي فيها من خمائره ما شاء، ويطبخها إن على مهل أو عجل ويأخذها إلى مائدة الحكومة وبقربها حياة التحالف الحكومي، فيحصل الوزير على ما يشتهي في نهاية المطاف، وهكذا يشعر المواطن وكأن وهبي يقود ثورته الخصوصية، بتغيير جذري في القوانين دون استشارات، وتشريع قوانين لن يستشعر المواطن لهيبها حتى تصير نافذة حيث لا ينفعه الاحتجاج…
وأعتقد أن جلالة الملك فعل خيرا حين شكل لجنة خاصة لتعديل مدونة الأسرة ولم يتركها بين يدي وهبي، لما يمكن أن يشعله هذا الأخير من نيران في المجتمع بطيشه التشريعي الذي لا يؤسسه على سجل نضالي أو تاريخ من التراكمات…
تذكرت كيف كانت قيامات صغيرة تقوم في عهد وزير العدل السابق مصطفى الرميد حين كان يومئ بتقديم مشروع قانون، حيث تكشر الصحافة عن أنيابها الطبيعية وتنذر بعودة “الوصاية” و”الظلامية” و…و…وتستنفر المعارضة جهودها وتقرع طبول الويل، بل وحتى المتحالفون مع “الحزب الحاكم” آنذاك يرمون الأشواك في طريق مشروع القانون، فيجمع الرميد فصوله ومواده ويرجئ الأمر إلى أجل غير مسمى…
قالوا قديما (اللي طيباتو المخموجة ياكلو راجلها) ووهبي هو تلك المخموجة بقوانينه المختلة، والحكومة هي ذلك “الراجل” أو الزوج الذي لا حول له ولاقوة، لكن أتحفظ على قولي و أجدد القول أن وهبي “ماشي بوحدو اللي كيدير في هاد الشي..عندو ضرسة صحيحة معاوناه…شكون؟ الله أعلم…”