في عالم موازي.. أعضاء بمقاطعة الحي الحسني يحكمون على البيئة بالإعدام
حالة من الاستغراب والدهشة تسود في الأوساط المهتمة بالشأن البيئي وتدبير الشأن العام على مستوى الدار البيضاء، ففي الوقت الذي كان البعض بترافع من اجل تخصيص ميزانية أكبر للاهتمام بالمجال الأخضر وتحسين جودة العيش من خلال احداث فضاءات ومنتزهات ومساحات خضراء داخل التجمعات والاحياء السكنية داخل جماعة الدار البيضاء ومختلف مقاطعاتها، يطل علينا مستشارو مقاطعة الحي الحسني من خلال مراسلة اقل ما يقال عنها أنها مراسلة تشكل نكسة في الأوساط المدافعة عن الشأن البيئي وتبين الجهل وقلة المعرفة بكل ما يمكنه أن يخدم البيئة ويقلل من حدة التغير المناخي ويحسن جودة العيش داخل المدن والحواضر.
فإذا كانت منظمة الأمم المتحدة تعتبر أن المساحات الخضراء مورد قيّم لتوفير الصحة الحضرية المستدامة فإن ساكنة الحي الحسني والدار البيضاء عموما ابتهلاها الله بنخبة ترى عكس ذلك تماما، وتجهل دور الحدائق والمساحات الخضراء والمجاري المائية بوصفها حلولا لتوفير الصحة الحضرية باعتبار ان الحدائق والمساحات الخضراء والمجاري المائية أماكن عامة مهمة في معظم المدن. فهي توفر حلولاً لما تنتجه الحضرنة السريعة المفتقرة لمقومات الاستدامة من آثار في الصحة والسلامة. والفوائد الاجتماعية والاقتصادية التي تحققها المساحات الخضراء الحضرية هي على نفس القدر من الأهمية، وينبغي أن ينظر إليها في سياق القضايا العالمية مثل تغير المناخ، والأولويات الأخرى المنصوص عليها في أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك المدن المستدامة والصحة العامة والمحافظة على الطبيعة.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة دائما فإن من بين الطرق المختلفة التي يمكن من خلالها للبيئة الطبيعية أن تؤثر بشكل إيجابي على صحة الإنسان وسلامته، حيث إن المناطق الطبيعية توفر الفرص لممارسة النشاط البدني والتواصل الاجتماعي وخفض الإجهاد النفسي، وأثبت عدد متزايد من الدراسات الوبائية أن المحافظة على المساحات الخضراء الحضرية تحقق آثاراً صحية إيجابية متنوعة، بما في ذلك تحسين الصحة العقلية وخفض الاكتئاب؛ وتحسين نتائج الحمل؛ وخفض معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات الناجمة عنها، والسمنة، والداء السكري.
وفي أغلب الأحيان، تعيش الجماعات المحرومة في أحياء لا يتوفر فيها إلا القليل من المساحات الخضراء المتاحة، رغم أن الدراسات تشير إلى أن الأشخاص المحرومين اجتماعياً واقتصادياً يمكن أن يستفيدوا كثيراً من تحسين فرص التمتع بالمساحات الخضراء الحضرية. ولذا فإن تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية فيما يتعلق بتوافر المساحات الخضراء الحضرية يمكن أن يساعد على خفض أوجه التفاوت في الصحة نتيجة الدخل، والانتماء إلى الأقليات، والإعاقة، وعناصر اجتماعية واقتصادية وديموغرافية أخرى.
ويمكن أن تتيح زيادة عدد المساحات الخضراء وتحسين نوعيتها تخفيف ملوثات المناخ القصيرة الأجل التي تؤدي إلى آثار شديدة على صعيد الاحترار العالمي وتساهم مساهمة كبيرة في وقوع أكثر من 7 ملايين حالة وفاة مبكرة سنوياً مرتبطة بتلوث الهواء. وتتيح النوافير والبرك والبحيرات والحدائق المنشأة على سطوح الأبنية الحضرية تلطيف درجات الحرارة القصوى وخفض تأثير جزر الاحترار الحضرية، وتؤدي إلى تحقيق وفورات في الطاقة وتحسين نوعية المناخ في المدن. ويساهم تلوث الهواء في ارتفاع درجات الحرارة وفي نشوء موجات الحرّ، ويؤدي ذلك إلى زيادة معدلات الوفيات الناجمة عن النوبات القلبية أو السكتة الدماغية نتيجة لضربات الشمس، وبخاصة للأشخاص الذين يعانون أصلاً من أمراض غير معدية. ويقدّر أن كل شجرة مزروعة في موقع استراتيجي بهدف توفير الظل، يمكن أن تؤدي مباشرة إلى خفض حوالي 10 كغم من انبعاثات الكربون من محطات توليد الطاقة، عن طريق خفض الطلب على مكيّفات الهواء. وفي أوروبا وحدها، تقع 000 400 وفاة مبكرة سنوياً نتيجة لتلوث الهواء، بتكلفة تتراوح بين 330 بليون يورو و940 بليون يورو.
وبما أن مبررات الموقعين على هذه المراسلة ربطت ذلك باستحضار الظرفية المناخية التي تعيشها بلادنا في الفترة الحالية المتزامنة حسب قولهم مع شح في التساقطات المطرية فهذا لوحده يبين بالملموس جهلهم التام بأهمية التشجير وزراعة النباتات والأشجار الظلية وغيرها من المزروعات التي تسهم في تنقية الهواء وتقليل درجات الحرارة إضافة إلى ذلك الحد من التصحر والعواصف الغبارية وغيرها من الفوائد المتعددة للأشجار، والمساهمة في إبقاء الحشرات، والحيوانات، والطيور في مكانها، ممّا يؤدّي إلى تحسين التنوّع الحيوي للمنطقة. منع جريان المياه، وبالتالي تسرّبها إلى التربة، ووصولها إلى طبقات المياه الجوفية في باطن الأرض، وتحسين إمدادات المياه للكائنات الحية. امتصاص الغازات الضارّة من الجو مثل أول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، بالإضافة إلى إطلاق غاز الأكسجين، حيث تستطيع شجرة واحدة ضخمة تزويد يوم واحد من الأكسجين لأربعة أفراد. خفض درجة حرارة التربة، بالإضافة إلى فقدان رطوبتها أيضاً، حيث إنّ تحلّل الأوراق يُعزّز من وجود الكائنات الحية الدقيقة في التربة، وبالتالي توفير العناصر الغذائية الضرورية لنموّ الأشجار.