محمد أمين الترابي..قيادة شبابية

تتسارع التحولات الاجتماعية والتربوية، ويشتد النقاش حول جودة التعليم وأدواره المستقبلية، تبرز هناك أسماء شابة اختارت أن تتحمل مسؤولية الفعل بدل الاكتفاء بالنقد. من بين هذه الأسماء، يفرض محمد أمين الترابي نفسه كنموذج لقيادة شبابية هادئة، تراهن على العمل اليومي الجاد، وعلى الاستثمار في الإنسان منذ سنواته الأولى.
محمد أمين الترابي، خريج جامعة الأخوين، لم ينظر إلى مساره الأكاديمي كغاية في حد ذاته، بل كأداة لبناء مشروع تربوي متكامل. فاختياره للعودة إلى مدينة بن أحمد، وتولي مسؤولية إدارة مؤسسة “إقرأ” الخاصة، لم يكن قراراً عابراً أو بحثاً عن موقع اجتماعي، بل قناعة راسخة بأن التغيير الحقيقي يبدأ من المدرسة، ومن داخل الفصول الدراسية، حيث تتشكل القيم قبل المعارف.
مؤسسة “إقرأ” ببن أحمد، التي أصبحت اليوم من المؤسسات الرائدة في التعليم الخصوصي على مستوى إقليم سطات، لم تبلغ هذا الموقع صدفة. فقد راهن الترابي منذ البداية على رؤية واضحة قوامها الجودة، والانضباط، والانفتاح على محيط المتعلم. لم يكن همه التوسع السريع أو الأرقام اللامعة، بقدر ما كان تركيزه منصباً على بناء مؤسسة تحترم عقل التلميذ، وتؤمن بدور الأستاذ، وتعتبر الأسرة شريكاً أساسياً في العملية التربوية.
ما يميز تجربة محمد أمين الترابي هو هذا المزج الذكي بين التكوين الأكاديمي العصري الذي تلقاه بجامعة الأخوين، والوعي بخصوصيات المدينة المتوسطة واحتياجاتها الواقعية. فهو يدرك أن استنساخ نماذج جاهزة لا يصنع تعليماً ناجحاً، وأن كل مشروع تربوي لا بد أن ينطلق من سياقه الاجتماعي والثقافي. لذلك عمل، خطوة خطوة، على تطوير أساليب التدريس، وتحسين بيئة التعلم، وتشجيع الأنشطة الموازية التي تصقل شخصية التلميذ، لا فقط معدله الدراسي.
في حديثه عن التعليم، لا يستعمل الترابي لغة الشعارات، بل لغة التجربة. يتحدث عن الصعوبات كما عن النجاحات، وعن محدودية الإمكانيات أحياناً، وعن ضرورة الصبر والإيمان بالمشروع. وهذا ما يمنح خطابه مصداقية، ويجعل حضوره مقنعاً داخل الوسط التربوي المحلي. فهو مدير قريب من أطره، متابع للتفاصيل اليومية، ومؤمن بأن القيادة ليست أمراً إدارياً صرفاً، بل مسؤولية أخلاقية قبل كل شيء.
كما أن تجربة محمد أمين الترابي تعكس نموذجاً مختلفاً للقيادة الشبابية: قيادة لا تصطدم مع الجيل السابق، ولا تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، بل تحاول التعلم، والتراكم، وبناء الجسور. وهو بذلك يقدم صورة إيجابية عن الشباب المغربي القادر على تحمل المسؤولية، والانخراط العملي في خدمة مجتمعه، بعيداً عن منطق الانتظار أو التذمر.
في إقليم سطات، حيث يظل التعليم أحد المفاتيح الأساسية للتنمية المحلية، تشكل مبادرات من هذا النوع رصيداً حقيقياً. فمؤسسة “إقرأ” ليست مجرد بناية أو برنامج دراسي، بل تجربة إنسانية وتربوية يقودها شاب آمن بأن الاستثمار في الطفولة هو الاستثمار الأذكى والأكثر ديمومة.
محمد أمين الترابي، من خلال مساره وخياراته، يذكرنا بأن القيادة لا تقاس بالعمر ولا بالمناصب، بل بالقدرة على التأثير الإيجابي، وبالاستعداد لتحمل المسؤولية في صمت. وهي رسالة تحتاجها المدرسة المغربية اليوم، كما يحتاجها المجتمع بأكمله.


