سياسة

حماماتٌ يحلّقن في سماء مدن كبرى

في مشهد سياسي غير مسبوق داخل واحدة من أكثر المراحل حساسية في تدبير الشأن المحلي، تبرز ثلاث قيادات نسائية من حزب التجمع الوطني للأحرار كأسماء وازنة تمكّنت من حجز موقعها في إدارة كبريات مدن المغرب. نبيلة الرميلي، عمدة الدار البيضاء؛ فتيحة المودني، عمدة الرباط؛ وأمينة حروزة، رئيسة جماعة القنيطرة… ثلاث حمامات يحلقن بثبات فوق مدن معقدة، متشابكة المصالح، وممتدة جغرافياً وسكانياً، في مؤشر واضح على التحول العميق في رؤية الحزب للقيادة النسائية وقدرتها على صناعة الفارق.

الثقة التي منحها رئيس الحزب عزيز أخنوش لهذه القيادات لم تكن مجاملة سياسية ولا توزيعاً شكلياً للأدوار، بل تعبيراً عن قناعة بضرورة تجديد النخب، وتشجيع نساء يمتلكن تكويناً وخبرة تؤهلهن لقيادة مؤسسات منتخبة تتطلب حنكة وجرأة. في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، تدير نبيلة الرميلي واحدة من أعقد التجارب التدبيرية في البلاد، بحكم الضغط الديمغرافي الهائل وحجم الأوراش المفتوحة. في الرباط، حيث تتقاطع الإدارة المركزية مع الخصوصيات الترابية، تشتغل فتيحة المودني على نموذج لعاصمة حديثة، متوازنة، وتواكب صورة المغرب الجديدة. وفي القنيطرة، تقود أمينة حروزة مرحلة انتقالية نحو مدينة صاعدة، مستقطِبة للاستثمار، ومتحررة من تراكمات التدبير السابق.

ما يجمع هؤلاء الثلاث ليس فقط الانتماء الحزبي، بل روح المسؤولية المدعومة بسند تنظيمي قوي، وأجهزة حزبية ترافقهن في كل خطوة، من صياغة الرؤية إلى تنزيل السياسات. حزب التجمع الوطني للأحرار، بقيادة أخنوش، قدّم نموذجاً عملياً لما يعنيه دعم المنتخبين المحليين: تكوين، تأطير، مواكبة إعلامية، وفتح قنوات مباشرة مع الحكومة لضمان انسجام البرامج الجماعية مع السياسات العمومية الوطنية.

إن صعود هذه الحمامات في سماء مدن كبرى يوجه رسالة واضحة مفادها أن المغرب يعيش تحولاً ديمقراطياً هادئاً، يمنح للنساء مساحة أوسع للقرار، ويضع كفاءتهن في مراكز قيادة استراتيجية. والنجاح المتراكم لهن يؤكد أن الرهان كان صائباً، وأن مستقبل تدبير المدن الكبرى لم يعد حكراً على أسماء تقليدية، بل بات مفتوحاً لنسخة جديدة من القيادات القادرة على الجمع بين الجرأة والشجاعة وبعد النظر.

بهذه التجارب، يرسّخ حزب التجمع الوطني للأحرار حضوره في خارطة التدبير المحلي، ويقدم درساً في كيفية صناعة قيادات نسائية قادرة على التحليق بثبات فوق سماء مدن معقدة، وتحويل التحديات إلى فرص تنموية تُحسب لهن ولحزبهن وللمغرب كله.