إغلاق القناة الرياضية

تعيش القناة الرياضية أسوأ فتراتها منذ تأسيسها، بل ربما تكون في مرحلة احتضار حقيقي بعدما تحوّلت من مشروع إعلامي طموح إلى عبء ثقيل على الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. فالأزمات التي طفحت إلى السطح في الأسابيع الأخيرة لم تعد مجرد اختلالات تقنية أو هفوات مهنية عابرة، بل أصبحت عنواناً لمرحلة انهيار شامل داخل قناة كان يُفترض أن تكون الواجهة الأولى لنقل الرياضة المغربية وإبراز تحولاتها.
فبحسب معطيات نشرها موقع “زون24” في وقت سابق، اندلعت أزمة كبيرة بين فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وفيصل العرايشي، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، بسبب إصرار لقجع على التمديد لحسن بوطبسيل سنة إضافية على رأس القناة الرياضية. هذا التمديد الذي تمّ تحت الضغط، أعاد طرح السؤال القديم الجديد: لماذا يصرّ لقجع على بقاء بوطبسيل رغم أن القناة فقدت بوصلتها منذ سنوات؟ وكيف يمكن لمؤسسة عمومية أن تُدار بمنطق الولاءات والمحاباة على حساب مبدأ الكفاءة؟
فالرياضية، كما يصفها كثيرون، “وُلدت بلا بكارة”، لأنها لم تنطلق يوماً برؤية واضحة ولا بخطة هيكلية تسمح لها بأن تتحول إلى قناة رياضية احترافية قادرة على المنافسة. ومع بوطبسيل تعمق الشرخ أكثر، لدرجةٍ أصبحت فيها القناة عاجزة عن أداء مهامها الأساسية، سواء من حيث جودة الإنتاج، أو النقل التلفزي، أو التعليق، أو إعداد البرامج، أو حتى احترام أبسط معايير المهنية.
وفي السياق، كشف موقع “آش نيوز” أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لن تكون الجهة التي ستتكلف بإنتاج كأس إفريقيا للأمم التي يحتضنها المغرب بعد عشرة أيام فقط، وهو حدث تاريخي يُفترض أن يكون مناسبة لرفع مستوى الإنتاج الوطني. غير أن القرار جاء صادماً: البث سيُمنح لشركات أجنبية. السبب؟ انعدام ثقة فوزي لقجع في قدرة التلفزيون المغربي على إنتاج تظاهرة بهذا الحجم. وهذا وحده كافٍ ليختزل عمق الأزمة.
وإلى جانب فقدان الثقة، لا تتوقف الملاحظات والانتقادات التي تُوجَّه للقناة الرياضية: نقل ضعيف، إخراج هاوٍ، تعليق يفتقد للتحليل والمعرفة، استديوهات تحولت إلى فضاء للثرثرة أكثر من كونها منصة للتحليل. كل ذلك جعل المشاهد المغربي يبحث عن بدائل خارج التلفزيون العمومي، رغم أنه يدفع مقابل هذا الأخير من جيبه.
الأدهى من ذلك أن الشركة الوطنية نفسها لم تعد ترى في القناة الرياضية جهة يُعتمد عليها في تغطية الأحداث الكبرى. فقد كُلِّف ياسين الإدريسي من القناة الأولى بتتبع كل صغيرة وكبيرة تخص “الكان”، فيما ظلت القناة الرياضية متفرجة خارج المشهد، وكأنها قناة هامشية لا علاقة لها برياضات البلد. هذا القرار يحمل رسالة واضحة: العرايشي نفسه لم يعد يثق بمنتوجه الرياضي.
أمام هذا الواقع، وأمام فشل متراكم امتد سنوات، لم يعد ممكناً ترقيع الثقوب أو تجميل صورة قناة فقدت معناها. إن أهم قرار يمكن أن يتخذه فيصل العرايشي اليوم هو إغلاق القناة الرياضية وإلحاق طاقمها بالقنوات الأخرى داخل الشركة الوطنية. فالقناة، بهذا الشكل وبهذه البنية وبهذه العقليات، لا تقدم أي إضافة للمشهد الإعلامي الرياضي، بل تُضعف سمعة التلفزيون العمومي وتُفشل رهاناته الكبرى.
المغرب مقبل على تنظيم كأس الأمم الإفريقية ثم كأس العالم 2030، وهو ما يتطلب إعلاماً رياضياً قوياً، احترافياً، وذا رؤية واضحة. أما “الرياضية” فقد أثبتت أنها خارج الزمن، وخارج التحديات، وخارج القدرة على الإصلاح.
لذلك، فإن إغلاقها ليس نهاية، بل بداية لولادة مشروع إعلامي وطني جديد، قادر على مواجهة المستقبل.


