مصدر مطلع

“إسكوبار الصحراء”.. كلامٌ في عكاشة ورعبٌ في شارع مكة

في ملفٍ لا يزال يشغل الرأي العام، تتسارع الأحداث داخل أسوار سجن عكاشة كما لو أن القصة لم تبدأ بعد. سعيد الناصيري، الرئيس السابق لنادي الوداد البيضاوي والمعتقل على خلفية ما بات يُعرف إعلامياً بملف “إسكوبار الصحراء”، قرّر – وفق مصدر “زون24” – أن يقلب الطاولة في الجلسات المقبلة ويكشف كل ما كان صامتاً عنه طيلة الأشهر الماضية. الرجل، الذي كان واجهة رياضية واجتماعية في الدار البيضاء، أبلغ مقربين منه أن الوقت حان “لقول كل شيء”، مؤكداً أن بحوزته أسماء ثقيلة في عالم السياسة والمال، من بينها قيادية في حزب الأصالة والمعاصرة ورجال أعمال نافذون ارتبطت أسماؤهم بشارع مكة ومقاهي “ديموازيل” و”جويا” هناك.

الخبر لم يمر مرور الكرام. منذ تسرب هذه المعطيات بدأ الخوف يتسلل إلى أوساط رجال أعمال معروفين في مجال العقار، إنتاج البناء، المواد الغذائية، وتجار شبكات العلاقات الذين لطالما كانت فيلا الناصيري عنوانهم السري للتنسيق وترتيب المصالح. المشهد اليوم تغيَّر: الهواتف تُغلق، الجلسات تختفي، الوجوه التي كانت تتصدر المجالس العامة أصبحت تبحث عن الظل، والمدينة التي كانت تتباهى بقوة شبكاتها صارت ترتجف تحت وقع “الاعترافات المحتملة”.

في شارع مكة، تغيَّر الهواء. أصحاب النفوذ الذين كانوا يجلسون مطمئنين في مقاهي “ديموازيل” و”جويا” صاروا يتحركون بحذر، واللغة السائدة بين المحيطين بهم هي “ماذا سيقول؟”، “ومن سيذكر؟”. القضية تجاوزت حدود ملف قضائي رائج لتتحول إلى رعب اجتماعي وسياسي يهدد صورة حزب بكامله ومصالح منظومة اقتصادية مترابطة. فالأسماء التي يتحدث عنها الناصيري – وفق مصدر “زون24” – ليست عابرة، بل ترتبط بشبكات تمويل، علاقات انتخابية، وانتفاع اقتصادي موازٍ ظل لسنوات جزءاً من هندسة السلطة في المدينة.

الخطر بالنسبة للكثيرين ليس في المحاكمة، بل في التفاصيل الصغيرة التي قد يرويها الرجل داخل جلسة علنية، أمام المحكمة، ووسط متابعة إعلامية مكثفة. فالرجل يعرف الأسرار، عاش داخل الدائرة، واختزن ما يكفي لتفجير موجات من الأسئلة حول علاقة الرياضة بالمال، والسياسة بالصفقات، وكيف كانت تُبنى الإمبراطوريات الخاصة على هامش لعبة كرة القدم التي كانت مجرد واجهة لصراع النفوذ.

بعيداً عن الصدمة، هناك سؤال أكبر يفرض نفسه: هل ما يجري اليوم هو لحظة الحقيقة في الدار البيضاء؟ أم مجرد حلقة من حلقات سقوط زعماء الظل الذين صنعوا شخصياتهم خارج المؤسسات ثم ظلوا يديرون الاقتصاد الموازي والحظوة السياسية عبر علاقاتٍ لم تكن يوماً مكشوفة؟ لا أحد يملك الجواب الآن. لكن المؤكد أن جلسات المحاكمة المقبلة لن تكون مجرد محاكمة رجل، بل اختبارٌ لنظام مصالح يمتد من فيلا في ضواحي المدينة إلى قلب حزب سياسي يتأهب لانتخابات قادمة.

الأنظار كلها اليوم تتجه نحو عكاشة. هناك، في غرفة صغيرة، رجل يستعد لقول ما قد لا يحتمله شارع مكة. وبين الكلام في السجن والرعب في المدينة، تتشكل قصة جديدة في المغرب، عنوانها العريض: عندما تتكلم الأسرار، تسقط الأقنعة.