مجتمع

تيفلت.. مدينة “جائزة الماء” في زمن العطش!

في عز لهيب الصيف، حيث تتراقص درجات الحرارة فوق رؤوس ساكنة تيفلت، لا حديث في الأزقة ولا في المقاهي إلا عن أزمة العطش الخانقة التي تضرب المدينة بلا رحمة، وعن روائح النفايات المشتعلة في غابة القريعات، تلك الغابة التي تحولت من متنفس طبيعي إلى مصدر اختناق جماعي. وبينما يعلو أنين المواطنين الباحثين عن قطرة ماء أو نسمة هواء نظيف، يخرج علينا رئيس الجماعة، السيد عبد الصمد عرشان، بمبادرة عبقرية تستحق براءة اختراع: “جائزة الماء”!

نعم، جائزة الماء. لا حلولا عملية، لا تعبئة للموارد، لا ضغط على الجهات المختصة، لا تعبيد للطرقات المائية اليابسة، بل منافسة رمزية في مدينة تشرب العرق وتستنشق الدخان. ومن لا يعجبه الحال فليتنافس، ربما يحظى بكأس ماء معدني بارد أو بدبلوم شرفي يطفئ ظمأ الكرامة.

لكن مهلاً، لنعُد قليلًا إلى الوراء. فالقصة لا تبدأ اليوم. مدينة تيفلت تعيش منذ أربعة عقود تقريبًا تحت وصاية “عائلة واحدة”، عائلة عرشان، التي تدبر الشأن المحلي بتسميات مختلفة، لكنها تُغني دائمًا نفس “السمفونية”: التحكم، التوريث، والاحتفال وسط الركام. فمن الأب الكوميسير والزعيم الحزبي، إلى الابن الرئيس الحالي، سلسلة من “الاستمرارية الديمقراطية” التي لم تأتِ إلا بالمزيد من الأعطاب التنموية والمفارقات المجالية.

المدينة كبرت، مشاكلها تضاعفت، والمشهد السياسي المحلي لا يزال أسير الأسماء نفسها، بنفس الخطاب، ونفس المنطق. والنتيجة؟ عطش جماعي، هواء ملوث، وتنمية مؤجلة إلى إشعار آخر. أما عن حرق النفايات وتحول الغابة إلى محرقة، فذلك مجرد هامش في مسرحية كبيرة عنوانها: “التدبير على طريقة العائلة”.

قد يقول قائل: هذه مبادرة رمزية، لا ضرر فيها. لكن حين تكون الرمزية هي كل ما تقدمه الجماعة في مواجهة أزمة حقيقية، فإننا لسنا أمام سياسة عمومية، بل أمام فقرة هزلية من برنامج ترفيهي سيء الإخراج.

ربما آن الأوان لنقترح على الجماعة تنظيم مسابقة “أفضل مواطن صابر”، أو “أجمل ابتسامة عطشان”، أو “أسرع من يهرب من دخان النفايات”. فحين تتحول المآسي إلى احتفالات، لا يسعنا إلا أن نضحك بمرارة، ونقول:

“مرحبا بكم في تيفلت، حيث الماء جائزة، والهواء مسموم، والتدبير العائلي عبء مزمن”