ليس كلُّ من في الجامعة “قيلش”

ليس كل من في الجامعة “قيلش”، وليس كل من في قاعات المحاضرات أو مكاتب الإدارة أو لجان التوظيف والبحث العلمي سماسرة شواهد أو متحرشين أو متورطين في شبكات الريع الأكاديمي. نعم، تحدثنا وكشفنا وفضحنا، وسنواصل، لكن من باب الإنصاف والموضوعية، ومن باب الدفاع عن مؤسسة الجامعة باعتبارها عماد بناء الدولة الحديثة ومصدر إنتاج النخبة، لا بد أن نقول أيضاً إن الجامعة المغربية، رغم علّاتها البنيوية، لا تزال تحتضن رجالاً ونساءً نذروا حياتهم للعلم والتعليم والتكوين الجاد.
لقد عرفتُ قيلش، لا من خلال صفته الوظيفية كأستاذ جامعي، بل باعتباره واحداً من الوجوه التي استغلت موقعها الأكاديمي للتمدد في مساحات غير أخلاقية، تمسّ بكرامة الطالبات وبقيمة الشهادة الجامعية، وتحوّل قاعة المحاضرات إلى سوق للمساومة. لكن من جهة أخرى، وأنا أكتب هذا المقال، تحضرني وجوه أخرى مشرفة: أساتذة يشتغلون بصمت، ينشرون الأبحاث، يسهرون على تأطير الطلبة، ويقفون سداً منيعاً في وجه الفساد بكل أشكاله.
الجامعة المغربية ليست كتلة واحدة متجانسة، بل فضاء مفتوح فيه الصالح والطالح، كما في كل المؤسسات. وأكبر خطر يهدد الجامعة اليوم ليس فقط قيلش ومن على شاكلته، بل هذا التعميم المجحف الذي يحوّل الجامعة كلها إلى وكر فساد، ويُلبس كل من فيها ثوب الجريمة. هذا التعميم لا يخدم إلا الفاسدين أنفسهم، لأنه يطمس معالم الفرق بين الجاد والمتلاعب، بين الأستاذ الباحث والأستاذ السمسار.
علينا أن نميز. أن نفرّق. أن نقول هذا جيد وهذا سيء. وعلينا أن نستمر في الدفاع عن الجامعة المغربية بصيغتها النزيهة، تلك التي تقاوم من الداخل، وتؤمن بأن العلم والمعرفة لا يصنعهما الابتزاز أو الريع، بل الجد والصرامة والأخلاق.
أعرف أسماءً كثيرة داخل جامعات الحسن الثاني ومحمد الخامس وعبد المالك السعدي، ممن لا يتصدرون صفحات الجرائد، لكنهم يصنعون الفارق في المختبرات، وفي البرامج الأكاديمية، وفي التأطير العلمي الرصين. وهؤلاء هم الذين يقتلون في صمت كل يوم، ليس بالتحرش أو الفضائح، بل بعدم الإنصاف، وبالإغراق في صورة نمطية شوهاء.
ما تحتاجه الجامعة المغربية ليس فقط محاربة “قيلش” وأشباهه، بل أن نؤمن بها كمؤسسة استراتيجية، وأن نعيد الثقة إليها، عبر دعم الجادين، وتشجيع البحث العلمي، وتحسين شروط العمل، وتوفير أدوات الحوكمة والرقابة والمحاسبة. الجامعة ليست مجرد مبانٍ ودروس، بل هي حاضنة للضمير، ومصنع للوعي، وأداة للارتقاء الجماعي.
وفي النهاية، إذا كان فضح الفساد واجباً، فإن الدفاع عن النزهاء ضرورة، ومن لا يستطيع الجمع بين المعركتين، فالأجدر به أن يصمت.