وجهات نظر

الصحراء المغربية: هل تنهي إحاطة ستيفان دي ميستورا أمام مجلس الأمن ملف الخمسين عاما؟

 د.حميد اسليماني، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية

يشهد ملف الصحراء المغربية تحولات وتطورات متسارعة، يمكن أن تحمل في طياتها ملامح حل نهائي للجمود الذي استمر لخمسة عقود. ورغم عدم تقديمها لحلول جذرية، يبدو أن إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء المغربية ستيفان دي ميستورا كشف عن ديناميكية جديدة تنحو نحو حل نهائي لهذا الملف المعقّد، فهل نحن أما “الفصل الأخير” في هذا النزاع الطويل الأمد؟

وفي تحليل مقتضب لهذه الإحاطة، قدم دي ميستورا إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي بتارخ 14 من أبريل 2025، استعرض فيها آخر المعطيات المتعلّقة بالصحراء المغربية، حيث أعرب عن أمله في تحقيق حل عادل ودائم ومتفق عليه. غير أنه عاد ليقدم تقييما للوضع الراهن، حيث ركز المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في بداية تدخله على تطورين مهمين يرى فيها أنهما يحملان تداعيات مهمة: أول هذن التطورين، هو الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المغربي السيد “ناصر بوريطة” إلى واشنطن التي حملت إشارات مهمة من الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها السيد “مارك روبيو” يؤكد من خلالها دعم الولايات المتحدة الأمريكية لمبدأ الحكم الذاتي “الحقيقي” تحت السيادة الكاملة للمملكة المغربية، غير أنه أضاف ضرورة التوصل إلى “حل مقبول للطرفين” ستعمل واشنطن على تفعيله. وثاني هذين التطورين، زيارة وزير الخارجية الفرنس السيد “جان نويل بارو” إلى الجزائر، مع تذكيره بأن ملف الصحراء المغربية لم يذكر بشكل مباشر بين الطرفين.

وقد اعتبر دي ميستورا أن هذين التطورين يحملان مؤشرا على اهتمام متجدد من قبل عضوين دائمين في مجلس الأمن، لكنه في ذات الوقت حذر من المخاطر القائمة، خصوصا تلك المتعلّقة بأوضاع اللاجئين في مخيمات تندوف، وأكد على تدهور العلاقات الجزائرية المغربية، وذلك لعدم وجود أي تحسن في العلاقات بين البلدين، بل على العكس من ذلك فهي تتجه نحو تأزم الأوضاع مما يزيد من خطر نشوب صراع إقليمي في ظل التوترات القائمة، وغياب التواصل الدبلوماسي وإغلاق الحدود والزيادة الكبيرة في الانفاق العسكري من الجانبين. أما فيما يتعلّق بالدور الأمريكي، فقد لخصه في ثلاث رسائل، ضرورة أن يكون الحكم الذاتي حكما “حقيقيا” مع توضيح صلاحياته، والحاجة إلى حل مقبول من الطرفين، واستعداد الإدارة الأمريكية للانخراط المباشر في عملية تسهيل هذا الحل.

أما فيما يخص مجلس الأمن، فقد لفت دي ميستورا نظر المجلس إلى عمل بعثة المينورسو، ودعا إلى تقديم الدعم لها رغم التحديات الميدانية والقيود المالية التي أصبحت تعاني منها، مشددا على ضرورة دعم المجلس والدول المساهمة بقوات للبعة لضمان وجود ميداني قوي لدعم أي حل سياسي ممكن.

هل تتجه الأمم المتحدة نحو “تقبل الأمر الواقع” في الصحراء المغربية؟

جاءت إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية لتعكس بشكل كبير الدينامية الدولية الجديدة بقيادة قوى فاعلة في المجتمع الدولي على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا. ويبدو جليا أن الاتجاه نحو الاعتراف المتزايد بمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كحل واقعي وجاد هو الأقرب لهذا النزاع الطويل الأمد. فالولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تأكيدها المتجدد على مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ترسل إشارات قوية إلى المجتمع الدولي بأن هذا الخيار هو الأكثر جدوى. غير أن إصرار واشنطن على ضرورة التوصل إلى “حل مقبول للطرفين” يمكن ان يحمل نوعا من “تقرير المصير” وهو ما يفتح الباب أمام ماهية هذا الشكل الذي تريده الولايات المتحدة، وإلى أي حد يمكن أم يخدم مصالح المملكة في هذا الشأن؟

أما فيما يخص فرنسا فإن تحركاتها الدبلوماسية في المنطقة تشير إلى اهتمامها بملف الصحراء رغم عزوف الجانبين، الفرنسي والجزائري، عن الحديث عن ملف الصحراء في محادثاتهما المباشرة. وفيما يخص إسبانيا فإنها غيرت موقفها، وذلك بدعمها لمقترح الحكم الذاتي كخيار جاد ومقبول يمكن الاستناد إليه في حل هذا النزاع المفتعل، وهو ما يعطي زخما قويا على اعتبار أنها قوة أوروبية تنحو نحو هذا الاتجاه.

وعلى أرض الواقع، ورغم التعنت الجزائري، وهو ما يثير القلق بشأن الاستقرار الإقليمي، يرسخ المغرب وجوده في الأقاليم الجنوبية للملكة عبر العديد من المشاريع التنموية الضخمة، واندماج اقتصادي واجتماعي، بل وتزايد ملحوظ في الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء المغربية. كل ذلك زاد من الضغوط على جبهة البوليساريو التي لم تعد تتحكم في زمام الأمور، حيث أصبحت العديد من الأصوات من داخل المخيمات تطالب بإنهاء الملف والحلم بالعودة إلى المغرب.

على سبيل الختم، ورغم اللغة الحذرة للمبعوث الأممي في الصحراء المغربية، والتي تظهر توازنا وتحفظا دبلوماسيا حذرا، إلا أن القراء البسيطة لها ولما بين سطورها، يمكن أن تحمل في طياتها مؤشرات واضحة على تحول تدريجي في النظرة الدولية لقضية الصحراء المغربية. ورغم أن الطريق لازال غير واضح نحو حل نهائي، إلا أن الثابت هو أن مقترح المملكة المغربية بتمكين الأقاليم الجنوبية من الحكم الذاتي يزداد رسوخا كخيار محوري في ظل السيادة المغربية على صحرائه، وهو ما يمكن اعتباره “انتصارا صامتا” للمغرب في هذه المرحلة الدقيقة من مسار هذا النزاع الطويل الأمد.