افتتاحية

صرخة بلا صدى

الصراخُ ليس دليلًا على القوة، بل هو أحيانًا صوتُ العاجز أمام الجدار الصلب. صرخاتٌ كثيرة تتردد في هذا الوطن، بعضها يجد آذانًا صاغية، وأخرى تُدفن في ضجيج المصالح والحسابات الضيقة. وبين هذا وذاك، يبقى موقع “زون24” شاهدًا على معادلة واضحة: هناك من يريد إخماد الأصوات الحرة، لكن الحقيقة عنيدة، لا تموت بالصراخ، ولا تنحني بالتهديد.

منذ انطلاقه، لم يكن “زون24” مجرد منصة خبرية، بل كان ساحةً تواجه فيها الحقيقة زيف الادعاءات، وتنكشف فيها خطط أولئك الذين يعتقدون أن الإعلام المستقل مجرد رقم يمكن محوه. حاولوا كثيرًا، لكن صرختهم بلا صدى، لأن الرأي العام لم يعد يستهلك الأكاذيب بسهولة، ولأن هذا المنبر ظلّ وفيًا لمبدأ أساسي: الصحافة ليست خادمة لأحد، ولا تركع إلا للحقيقة.

وفي الضفة الأخرى من البلاد، هناك صرخاتٌ من نوع آخر، صرخات لا تطلب سوى دفء الشتاء وأبسط شروط الحياة الكريمة. سكان الحوز، الذين هزّهم زلزال الطبيعة، وجدوا أنفسهم في مواجهة زلزال أشد قسوة: الإهمال والبطء الإداري في الاستجابة لمعاناتهم. مرت الشهور، وسقطت وعود كثيرة تحت الثلوج، بينما بقيت صرخاتهم بلا صدى، إلا من بعض المبادرات الفردية التي أبت أن تتخلى عنهم.

وفي قلب المدن، حيث تتباين الأصوات بين صادقٍ ومُغرض، تبرز صرخات بدوت ضحى، التي استنجدت بمؤسسات الدولة ضد ما اعتبرته ظلمًا في قضايا مرتبطة بهشام جيراندو. ورغم محاولات البعض استغلال هذه القضايا لتصفية حسابات، فإن مؤسسة النيابة العامة أثبتت مرة أخرى أنها لا تلتفت إلى الضجيج، بل تنحاز إلى القانون وحده، ماضيةً في ضبط المخالفين دون أن تتأثر بمحاولات الضغط أو التجييش.

لكن بعض الصرخات تثير العجب أكثر من غيرها. حين يتعلق الأمر بـالصحافة المستقلة، يكثر التهديد والوعيد، كما حدث حين تلقى مدير نشر “زون24” رسالة نصية مجهولة ولا نعرف مدى دقتها وصدقيتها، تتوعده بالاعتقال يوم 5 ماي. ظنّ مرسِلها أن هذا التهديد قد يرعب أو يثني عن قول الحقيقة، لكن صرخته بقيت بلا صدى، لأن أساليب التخويف الرخيصة لا تنجح مع من اعتاد مواجهة العواصف.

وفي المقابل، هناك صرخات تكشف زيف الادعاءات وازدواجية المعايير. لا مجال للتفصيل فيها،إذ سرعان ما تكشّفت فصولٌ من المحاباة والتلاعب، وأصبحت تلك الصرخة نقطة سوداء في سجلّ من كان يتبجح بالاستقامة والزمالة والصداقة .

في النهاية، تبقى “صرخة بلا صدى” عنوانًا يعكس واقعًا مريرًا، حيث تُختنق أصوات المعاناة، بينما تضخّم أصوات بعض المنافقين والانتهازيين داخل الصراعات. لكن الزمن لا يرحم، والأحداث لا تُنسى، وللصدى قانونٌ آخر: فبعض الصرخات قد تتأخر في الوصول، لكنها حين تفعل، تزلزل الأرض تحت أقدام من ظنوا أنفسهم في مأمن.