ثالوث الخطر..الإرهاب، التهريب والانفصال تهديدات مشتركة لأمن المغرب

طلوع عبدالإله : دكتور في القانون العام والعلوم السياسية
من خلال متابعة الأحداث والتطورات في منطقة شمال إفريقيا والساحل، يصبح جليًا أن المملكة المغربية ليست فقط في مواجهة تحديات داخلية سياسية واقتصادية، بل تواجه أيضًا تهديدات إرهابية وتهريبية تشكل خطرًا حقيقيًا على أمنها واستقرارها.
هذه التهديدات تتجسد في تحالفات غير قانونية بين تنظيمات إرهابية مسلحة، شبكات تهريب، وأطراف انفصالية، الذين ينشطون بشكل متزامن في منطقة الصحراء الكبرى. وهؤلاء يشتركون في أهداف مدمرة تسعى إلى إضعاف المنطقة بشكل عام، وتحقيق أجندات لا تخدم مصالح شعوبها.
إن التحالف بين هذه القوى يمثل التهديد الأبرز الذي تواجهه بلادنا اليوم. فقد أصبح من الواضح أن التنظيمات الإرهابية التي تعمل في منطقة الساحل والصحراء، مثل “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”داعش”، باتت تجد حلفاء جددًا في شبكات تهريب البشر والأسلحة والمخدرات التي تنتشر عبر هذه المنطقة. هذه الشبكات العابرة للحدود لا تتوقف عند تهريب المواد غير المشروعة فحسب، بل أصبحت تمثل حلقة وصل بين الإرهابيين والمجموعات المسلحة المتطرفة، وهو ما يساهم في تمويل نشاطاتهم الإرهابية.
الأمر الأكثر خطورة هو أن هذه التنظيمات الإجرامية قد وجدت ملاذًا في مناطق مثل مخيمات تندوف، التي تتحكم فيها جبهة البوليساريو. هذه المناطق أصبحت بيئة خصبة لتطوير وتحقيق أهداف الإرهابيين والانفصاليين، الذين يتخذون من هذه الأراضي قاعدة لزعزعة الاستقرار في المنطقة. وللأسف، فإن دولًا مثل الجزائر تلعب دورًا محوريًا في هذه المعادلة المعقدة. من خلال دعمها المستمر للبوليساريو، تساهم الجزائر في تأجيج النزاع في الصحراء الغربية، ما يساهم في توسيع دائرة التوتر في المنطقة ويعزز انعدام الاستقرار.
في هذا السياق، فإن المخاطر التي نواجهها اليوم ليست محصورة في التهديدات الإرهابية فقط، بل تشمل أيضًا الدور الذي قد تلعبه الجزائر تحت قيادة تبون وشنقريحة في هذا الصراع. من خلال استمرار دعمها للمجموعات الانفصالية، قد تتحول الجزائر من دولة راعية لمشروع انفصالي إلى دولة راعية للإرهاب. هذا الأمر يجعل من الوضعية الحالية تحديًا مضاعفًا، حيث نواجه ليس فقط تحالفًا بين الإرهابيين والمهرّبين، بل أيضًا دعمًا مستمرًا من بعض الأطراف الإقليمية لهذه الأجندات التخريبية.
والأخطر من ذلك هو أن هذه التهديدات لم تعد مقتصرة على تحركات سرية أو عمليات محدودة، بل أصبحت تشكل تهديدًا استراتيجيًا طويل الأمد يمكن أن يتسارع ويتصاعد في حال لم يتم مواجهته بجدية. التصعيد المتزايد لهذه الأنشطة الإرهابية والتهريبية في منطقة الساحل والمغرب العربي يستدعي منا جميعًا الوعي التام بحجم الخطر الذي نواجهه.
إن المتابعين لهذه التطورات، وخاصة أولئك الذين يشككون في حجم الهجمات التي تعرضت لها بلادنا، إنما يعكسون سذاجة أو تجاهلًا حقيقيًا للمخاطر التي تحيط بنا. هؤلاء الذين يستهينون بالهجمات الإرهابية أو يحاولون التقليل من حجم التهديدات لا يدركون أن الأمن الوطني ليس قضية عابرة يمكن التقليل من شأنها، بل هو قضية حياة أو موت. إن التعامل مع هذه التهديدات يتطلب استجابة شاملة من جميع فئات المجتمع، من خلال تعزيز قدراتنا الأمنية والعسكرية، وتوسيع تعاوننا مع شركائنا الإقليميين والدوليين، كما يتطلب منا أن نكون يقظين تجاه أية محاولات للتشكيك في خطورة هذه التهديدات.
لا يمكن أن ننسى أيضًا الدور الحيوي الذي يجب أن تلعبه الدولة في تعبئة الرأي العام الوطني، وتوعيته بحجم التحديات التي نواجهها. فكل محاولة للتقليل من جدية التهديدات هي محاولة لتهديد استقرار الوطن نفسه. في الوقت الذي يتعامل فيه أعداء الوطن مع هذه القضية بجدية تامة، يجب أن نكون نحن على نفس الدرجة من الوعي والمسؤولية.
من هنا، فإنه يتعين على الجميع أن يتخذوا موقفًا حازمًا ضد أي محاولة للتقليل من خطورة هذه التهديدات. إن مواجهة “ثالوث الشر” الذي يتمثل في الإرهاب، والتهريب، والانفصال، يتطلب توحدًا بين جميع القوى السياسية، المدنية، والعسكرية في المغرب. هذه المواجهة لا تقتصر على الأبعاد العسكرية فقط، بل تشمل أيضًا الدبلوماسية، والاقتصاد، والإعلام، والتعليم. لذلك، فإن استمرار التصدي لهذه التهديدات يتطلب وحدة وطنية، استراتيجيات شاملة، وتعاطي حكيم مع التحديات الكبيرة التي قد تقف أمامنا.