افتتاحية

فوضى الإنتاج في دار البريهي

الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ومنذ جلوس فيصل العرايشي، قبل ربع قرن من الآن (المسؤول الخالد)، على كرسي قيادتها، وهي قلعة بدون بوَّاب وبلا حصون، يكفي أن تكون صديقاً “للسي الكالة” لتقدِّم برنامجاً أو تحصل على مليارات السنتيمات إذا كنت من المبشَّرين بالإنتاج، وليس أي إنتاج، إذا كنت رديئاً ولا تملك سيناريو قويا، فموطنك الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.

وإن سبق أن طالبت حركة 20 فبراير برأس فيصل العرايشي في 2011، فإن الرجل باقٍ ويتمدد نكاية في كل الغيورين على الإعلام العمومي الرسمي، والراغبين في رؤية تلفزتنا على الأقل تشبه Télévision publique في فرنسا؛ وإن كانت أسطوانة التخلي على الفرنسية قد طأطأت رؤوسنا في السنوات الأخيرة، فلتكن على الأقل استوديوهات دار البريهي قريبة من مستعمرنا السابق.

مع كل موسم رمضاني، ينتظر المغاربة من قراء الصحف والجرائد الإلكترونية والبرامج الإذاعية عبر المحطات الخاصة، نقاشات حول الإنتاجات الدرامية والكوميدية والسيتكومات، وطبعاً رمضان 2024 لم يخرج عن السياق، بحيث أثار ضجة يإهانة الأستاذ عبر سلسلة “اولاد ايزة” المنسوخة من سيناريو روتيني لشخصية الشعيبية، وبعدها نقاش حول التسول وحفظ ماء وجه المتسولين، وإن كان “جوج وجوه” نسبياً دراما ناجحة (رأي يلزمني)، فإن المريب في هذا الأمر هو أن القناة الثانية 2M بجلالة قدرها، برمجت المسلسل في البرايم تايم بسبب ممثلة واحدة هي دنيا بوطازوت، حيث يشير زملاء مختصون في المجال الفني إلى معلومة ستلمح لها صاحبة الأمر، هي أن بوطازوت كانت ستلعب بطولة في مسلسل “بنات لحديد”، وهو الذي كان مبرمجاً في البرايم تايم، لكن تفضيل الشعيبية لمسلسل مراد الخوذي سيغير ملامح البرمجة، فقط لأن الشيخة نجحت في رفع مشاهدات مسلسل “المكتوب” في العامين السابقين.

الملاحظ هو هيمنة شركات بعينها على إنتاج المسلسلات والسيتكومات والأفلام التلفزية والبرامج، ويا للغرابة إذا كانت طلبات العروض هي التي تفرز هذا المشهد، دون الحديث عن أي تدخلات في الموضوع.

في دراما المغرب ستتكرر مشاهد الشركة الفلانية التي تعاملت مع المخرج الفلاني، لأن نفس الشخصيات ستلعب في كل أعمال مخرجنا المحترم، وستظل زوجته هي البطلة، وفي شركة أخرى ستجد نفس كتاب السيناريو ونفس المشخصين، وأحياناً نفس الحوار، مع اختلاف في ديكورات التصوير والملابس، وغير هذه المشاهد الكثير التي لا يسعف الوقت في ذكرها كاملة.

هناك كلام يتم تسويقه في الكواليس، وطبعاً نحن في “زون 24” لا نؤكده ولا ننفيه، وهو امتلاك فيصل العرايشي نسبة مهمة من حصص شركة للإنتاج تظفر بطلبات عروض مهمة على طول السنة، في انتظار أن ينفي العرايشي هذه المعلومة.

سبب نزول هذه الافتتاحية هو ما أثاره موقع “شوف تيفي” حول مسلسل “الفاميلة”، الذي قال عنه إنه ثمرة لسياسة باك صاحبي، في إشارة إلى المنتجة، وعلاقة زوجها بهذا الإنتاج.

الكلام هنا عن السيدة جيهان بحار، وزوجها جمال الخنوسي مدير موقع SNRTNews، وإن كان ما كتبته “شوف تيفي” ليس دفاعاً عن بكارة الإعلام العمومي، ولا عن محاربة طفيليات الإنتاج السمعي البصري، كما قال إدريس شحتان، الذي شدد على أنه يسعى إلى محاربة الطفيليات في المجال الصحفي، في افتتاحية مليئة بالمغالطات، أبرزها اعتبار مومو صحافيا، وتكييف جنحته جناية، ونقله من التقديم أمام وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الزجرية بعين السبع، إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء؛ وهذه إشارة أتمنى أن يتقبلها إدريس المنافح عن هيبة الصحافة وحرية التعبير بصدر رحب.

لنعد إلى مدير SNRTNews الذي حصل على هذا المنصب بطريقة ملتوية، ساهم فيها موقعه الإخباري غير المصنف، وكثير من الكولسة التي أسقطت مقترحين لإدارة الموقع، وهما مدير نشر صحيفة “الأحداث المغربية” وزميل ثانٍ من أكبر المتخصصين في المجال داخل المملكة، ولا نقف عند هذا الحد فقط، بل جزء كبير من أموال المغاربة يذهب إلى جيب مدير SNRTNews وزوجته مقابل إنتاجات صدقت “شوف تيفي” في وصفها.

تسائل رداءة الإنتاج مدير البرامج والبرمجة، وأحد الذين عينهم إدريس البصري في فترة جمعه ما لا يجمع بين الداخلية والإعلام في وزارة واحدة، ويطرح المشاهد العادي أسئلة كثيرة حول سابقة التلفزة المغربية في إيقاف بث سلسلة “محبوبي”، قبيل عرض حلقاتها الأخيرة وتعويضها بمسلسل “جنيّن” الذي لم يكن مؤثراً على البرمجة إن هو عرض في أول أربعاء من شهر رمضان.

الإعلام العمومي هو صورة بلد، ليس فقط في الداخل بل بنسبة كبيرة في الخارج، وإذا كانت أعطاب العرايشي كثيرة، كيف سنرفع سقف طموحاتنا في تنظيم مونديال 2030 مع إسبانيا والبرتغال، لما لا نأخذ عبرة الاستثمار في الإعلام من قطر، وكيف حكمت دويلة تميم بن حمد آل ثاني الصوت والصورة سياسيا عبر “الجزيرة”، ورياضياً عبر “بين سبورت”، وإن كان هذا في الأصل استثمارا خاصا وليس إعلاماً عموميا.