أزمة التعليم أو قصة البيضة والدجاجة!
لا حديث للمغاربة منذ ثلاثة شهور سوى عن إضرابات هيئة التعليم في جميع ربوع المملكة. المهنيون يشتكون من قانون مجحف و ظروف ممارسة صعبة و الحكومة تدعي الإصلاح و الأولياء تائهون بين تفهم مطالب المدرسين و شبح ضياع سنة دراسية عن فلذات أكبادهم.
طيب علينا تحديد أصل الداء حتى نعرف الدواء الناجع. أصل الحكاية كما قفز عليها أغلبية المتتبعين لا تكمن في قرارات الوزير الوصي شكيب بنموسى و لا استعمال المدرسين حقهم الدستوري، أصل الحكاية المسكوت عنه يعود لسنوات خلت حينما قررت الدولة أن تضع يدها في جيبها رغم شح الإمكانيات لتمد القطاع بالتمويل اللازم لإصلاح طال انتظاره. و أتذكر تلك الإفتتاحية التي كتبت قبل أزيد من عشر سنوات و رافقها غلاف معبر مفاده؛ “أين ذهبت أموال المخطط الإستعجالي؟”. هذا السؤال الذي سيظل يلاحق وزير التعليم الأسبق “البامي” أحمد أخشيشن مدى الحياة يهم ميزانية بلغت 43 مليار درهم (4.5 مليار دولار). تحقيقات الزملاء في الإعلام و تقارير المجلس الأعلى للحسابات أفضت لخروقات شابت ذلك المخطط الذي “قنبل” الميزانية و حطم آمال الإصلاح، و بقي دون حساب ولا عقاب فكان القطرة التي أفاضت كأس المنظومة التربوية.
و لسخرية القدر، هناك مجلس أعلى للتربية و التعليم يكاد المغاربة يجهلون كل شيء عنه ماعدا الإمتيازات التي يحظون بها. فوجوده مثل عدم وجوده إلا ماكان في لهف ميزانية ضخمة ما أحوج قطاع التعليم لها. و لسخرية القدر مرة أخرى، لما تم تعيين وزير كفء هو المرحوم محمد الوفا و الذي جاء بخريطة طريق واضحة عمادها تخليق القطاع و القطع مع ممارسات ضربت المنظومة في الصميم، تم تغييره لأسباب مجهولة عنوانها غياب أي إرادة سياسية لإنقاذ القطاع و إعادته لسكة الإصلاح.
أما ما يقع منذ ثلاثة أشهر فهو تحصيل حاصل سياسة اللاعقاب و عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، لذلك لا يمكن أن نحمل المدرسين وزر مايقع في المنظومة التعليمية من كوارث، أما من “يتطوعوا” هذه الأيام لتخوين المدرسين لأنهم يواجهون سياسة حكومية غير ناجعة فهم يحاولون عبثاً تغطية الشمس بالغربال، فحتى الآباء الذين يتحسرون على ضياع موسم دراسي لأبنائهم فهم متفهمون لأوضاع الهيئة التعليمية و صعوبات ظروف الممارسة فما بالك بقانون أساسي مجحف و لا يشكل عِماد الإصلاح.
إن الحل يكمن في احترام الحكومة لالتزامها الإنتخابي اتجاه هذه الشغيلة برفع الأجور ب 2500 درهم (كان هذا وعد حزب الأحرار) ولو على مرحلتين، إضافة إلى تحسين ظروف الممارسة بدعم اللوجستيك و تجويد البنى التحتية و مراجعة مجمل المقررات (البئيسة حالياً) و منع اشتغال منتسبي القطاع العام في القطاع الخاص في ساعات الفراغ و حظر الدروس الخصوصية المؤدى عنها و ربط المسؤولية بالمحاسبة بالنسبة لكل المتدخلين (وزارة و أطر و ونساء و رجال التعليم) ..
كل هذا يقتضي إرادة سياسية حقيقية نفتقدها في هذه الحكومة التي أُسقِط بها وزير في قطاع لاعلاقة له به ولا بخباياه و لا تحدياته، فتُرِك وحيداً في مستنقع التعليم الآسن، مُعوِلاً على دعم نقابات انتهى زمنها البيولوجي و إن لم تغير جلدها عاجلاً فستنتهي إلى غياهب النسيان. لكن تلك حكاية أخرى تستحق مساحة أوسع …لعلنا نعود لها لاحقاً.