هل ينقد اليسار الأحزاب من الإندثار؟
منذ خمسة عشر سنة تقريباً عرفت الحياة السياسية بالمغرب ثلاثة أحداث كبرى أدت إلى بروز تناقضات أفرغت في المحصلة الحياة السياسية من كل معنى. كانت البداية في العام 2009 عندما تم فرض كيان سياسي قسراً على المشهد السياسي و تم الإستعداد لمنحه مفاتيح السلط التشريعية و التنفيذية. لكن في سنة 2011 كان للربيع العربي و حركة 20 فبراير رأي آخر و تمت فرملة ذاك المشروع بإرادة شعبية، صعد إثرها التيار الإسلامي و سط انقسام لليسار عندما رافق حزب التقدم و الإشتراكية هذه التجربة فيما ارتكن الإتحاد الإشتراكي لمعارضة يجب الإعتراف أنها كانت شاحبة. في العام 2016 تم كسر تجربة عبد الإله بنكيران رغم فوز حزبه بشكل ساحق، و نتذكر ذلك المسلسل البئيس الذي أنزل السياسة للدرك الأسفل، فكانت تنحية بنكيران و تفعيل تجربة العثماني كفترة إحماء و إعداد لما نعيشه اليوم من أفول السياسة و تشرذم اليسار و تحييد لمباديء و قيم العمل الحزبي.
لذلك، عندما سمعت خبر تقارب حزبي التقدم و الإشتراكية و الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، شعرت وأنا المتابع للشأن السياسي منذ أربعين سنة، ب “أدرينالين” سياسية ذكرتني بزمن الكبيرين علي يعتة و عبد الرحيم بوعبيد. سُعدتُ لهذه الخطوة و أنا الذي شربت من قيم اليسار أيام الإتحاد الوطني لطلبة المغرب (في نسخته الأصلية)، لأني عشت شموخ المعارضة اليسارية في مواجهة جباهدة المخزن و على رأسهم ادريس البصري.
فهل جاء هذا التقارب متأخراً؟ ربما، لكن أن يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي أبداً. فما أحوج المشهد السياسي اليوم لفاعلين وطنيين لتمثين دعامات الوطن أمام سيل التحديات الإقتصادية و الجيوسياسية التي تتربص بنا. إمام هكذا مشهد، الوطن بحاجة لأحزاب مبتكِرة و بشبكات صداقات قوية تستلهمها من مصداقية تاريخها و وطنيتها، و ليس أحزاب انتهازية أقوى طموحاتها أن تمتص من الوطن أقصى الفوائد في أقصر الأزمان. لقد مرت على الإتحاد الإشتراكي أزمة 1981 و خرج منها سالماً لأن مسؤوليه فضلوا مصلحة الوطن عن المصلحة الحزبية الضيقة، واستطاع حزب التقدم و الإشتراكية أن ينتزع احترام المغاربة قبل سنوات قليلة في كيفية تعامله مع بلاغ الديوان الملكي بالإحترام اللازم للمؤسسة لكن بصدق و صراحة شعاريهما المغرب أولاً.
لذلك تبقى أحزاب الحركة الوطنية عامة و أحزاب اليسار خاصة، رغم كل مايمكن القول عن فترات نزول عاشتها، أحزاب وطنية حقيقية تستطيع حمل همّ الوطن و تحمل مسؤوليتها كاملة من أجل ذلك . و إذا استثنينا معها حزب العدالة و التنمية دلوني على حزب مغربي من اليمين أو الوسط يجّل موقف تاريخي واحد في الخمسة عشرة سنة الأخيرة.
مرة أخرى هنيئاً لحزب التقدم و الاشتراكية و الإتحاد الإشتراكي بهكذا خطوة، في انتظار التحاق باقي أحزاب اليسار و تسليم المشعل للشباب لقيادة المراحل المقبلة و رفع تحديات مغرب 2035.