افتتاحية

إستقلالية النيابة العامة

في 2017 أوكلت لي مهمة إنجاز روبورطاج مصور، ومراسلة إذاعية لنشرة الأخبار عن موضوع إستقلالية النيابة العامة، وتسليم السلط حينها بين محمد أوجار وزير العدل حينها، ومحمد عبد النبوي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض في تلك الفترة والذي سيكون آنذاك هو الرئيس الأول للنيابة العامة في شكلها المستقل.

تميز حفل تسلم عبد النبوي رئاسة النيابة العامة بحضور مستشار صاحب الجلالة عمر عزيمان والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مصطفى فارس سابقاً، وعدد من السادة الوزراء وبعض الشخصيات الأجنبية والوطنية المدنية والعسكرية، والسادة الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والسادة الوكلاء العامين للملك لديها وممثلي الجمعيات المهنية والقضائية.

سيطرح إستقلال النيابة العامة نقاشاً مجتمعياً وإعلامياً كبيراً، بين من يرى في هذه الخطوة الدستورية تقدماً ملموساً، وتنزيلاً حقيقياً لإستقلال السلط، وبين من كان يعتقد أن إستقلال النيابة العامة سيغولها ولن يكون لها حسيب ولا رقيب.

بيد أن وجهة نظر الفئة الثانية ستتبخر بعدما إتضح دور النيابة العامة بعيداً عن ضغط الفاعل السياسي، وحتى لا نذهب بعيداً لنستشهد بالقضية الأكبر لسنة 2023، ملف “إسكوبار الصحراء” بكل الشجاعة الممكنة أحالت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، شخصان من ضمن البقية، لهما نفوذ كبير، هم أنفسهم لم يتعقدو أنهم سيعتقلون، لكن القانون أخذ مجراها، والتحقيق التفصيلي يبدأ من 25 يناير 2024.

لنرسم صورة عن النيابة العامة في 2024 بصيفتها القديمة، رئيسها هو وزير العدل الحالي، عبد اللطيف وهبي، وعلاقة هذا الرجل بالمتهمين، ليست علاقة حزبية فقط، بل إنه هو محامي المتهمين سعيد الناصيري وعبد النبي البعيوي، هل يمكن حتى الحلم بوجودهما داخل السجن، بكل تأكيد الأمر مستبعد جداً، إن لم أقل مستحيلاً.

طرحت وكالة المغرب العربي للانباء سؤالاً على مولاي الحسن الداكي، الرئيس الحالي للنيابة العامة، ضمن حوار مكتوب في يوليوز 2021، عن حصيلة النيابة العامة.

سيجيب الداكي: “يمكن القول إن حصيلة رئاسة النيابة العامة خلال السنوات الأربع من مزاولة مهامها هي حصيلة جد إيجابية تتمثل على الخصوص في إرساء البناء المؤسساتي لرئاسة النيابة العامة ضمن مؤسسات الدولة، بمواصفات عصرية، واستراتيجية عمل واضحة في احترام تام للمقتضيات الدستورية والقانونية التي تؤطر عملها. وذلك بهدف تحقيق الغايات التالية”.

وسيفصل رئيس النيابة العامة في هذه الغايات التي جاءت في حوار وكالة المغرب العربي للانباء على الشكل التالي:

-إرساء التوجهات الأساسية لتنفيذ السياسة الجنائية حيث بادرت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها إلى وضع أولويات للسياسة الجنائية همت بالأساس تعزيز حماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات والتواصل مع الرأي العام والانفتاح على المحيط الخارجي، وتعزيز حقوق الإنسان والتصدي للانتهاكات الجسيمة أو الماسة بحرية الأفراد، وتخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، ومكافحة الاتجار بالبشر.

-انتظام صدور التقارير السنوية لرئاسة النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة. وتتضمن هذه التقارير تشخيصا موضوعيا وعلميا وإحصائيا لمجالات عمل النيابة العامة، كما تلامس مختلف الإشكالات التي تعوق قيام النيابة العامة بدورها بالشكل الأمثل، وقد ساهمت هذه التقارير بمضامينها الغنية في توفير أرضية علمية رصينة للنقاش بين مختلف الفاعلين في حقل العدالة.

-الاهتمام بانشغالات المواطن باعتبارها تندرج ضمن صلب أولوياته رئاسة النيابة العامة، وهو ما تجلى في إحداث مكتب الواجهة برئاسة النيابة العامة مخصص لاستقبال الشكايات وفق معايير دولية، كما وجهت رئاسة النيابة العامة في هذا الإطار عدة دوريات للنيابة العامة من أجل العمل على تحسين ظروف استقبال المتقاضين والحرص على حماية حقوقهم، والاهتمام بالاستماع لتظلماتهم، وإيجاد الحلول لها بالسرعة والفعالية والنجاعة اللازمة، وإخبارهم بمآل القرارات المتخذة في قضاياهم، مع اعتماد الأساليب الحديثة في ذلك.

-التواصل مع الرأي العام بشأن القضايا التي تستأثر باهتمامه، وتقديم المعلومة للمواطن في إبانها، فضلا عن إغناء النقاشات والحوارات في عدد من المنابر الإعلامية المرئية، المسموعة والمكتوبة حول مواضيع ذات الصلة بالشأن القضائي، ومن أجل مأسسة هذه العملية، وضعت رئاسة النيابة العامة برنامجا يرمي إلى تكوين الناطقين باسم النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة وهو الرهان الذي كسبه من خلال تكوين أزيد من 150 قاضيا للنيابة العامة في مجال التواصل.

-مواكبة رئاسة النيابة العامة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومحاربته من خلال إحداث آلية الخط المباشر للتبليغ عن الرشوة والفساد المالي، التي انطلق العمل بها بتاريخ 16 ماي 2018 وساهمت إلى حدود يومه في ضبط 181 مشتبها فيه في حالة تلبس، وهو الأمر الذي يجعل خيار التخليق ومحاربة الفساد خيارا استراتيجيا للمؤسسة.

-انفتاح رئاسة النيابة العامة على محيطها الخارجي وهو ما مكنها من الانضمام لمجموعة من المنتديات الدولية، من بينها انتخاب المغرب نائبا لرئيس جمعية المدعين الأفارقة سنة 2018، وانضمامها للجمعية الدولية للمدعين العامين، فضلا عن حصولها على صفة ملاحظ بالمجلس الاستشاري للوكلاء الأوروبيين، علما أن بلادنا هي البلد العربي والإفريقي الوحيد الذي يحظى بهذه الصفة لدى المجلس المذكور.

في ملف “إسكوبار الصحراء” إستطلعت آراء مواطنين عاديين ومسؤولين، لقد ساد إرتياح كبير في أوساط المجتمع، واتضح ان الإستقلالية كانت قراراً لا بد منه وإن تأخر، فأن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي.