محمد بابا حيدة يكتب: خطاب المسيرة..القائد والفريق
محمد بابا حيدة
مختص في التربية والتكوين والتواصل
في خطاب الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، بدا لافتاً أن الملك محمد السادس، يؤكد على أن خطاباته في السنوات الأخيرة، يربطها خيط ناظم، كأنها رسالة واحدة، مُتفرقة على صفحات عدّة، وليست خطابات معزول بعضها عن بعض، خاصة في الشق المتعلّق بالرسائل المُوجّهة لـ”الأمة المغربية”، وبالتحديد عودة جلالته للحديث عن “الجدّية”، لكن هذه المرة ليُفسّر ما كان يقصده من ذلك، عندما استخدم العبارة عدة مرات في خطاب العرش قبل حوالي شهرين.
ولفهم الاستراتيجية التواصلية للملك، في شقّها المتعلق بالخطابات، يجب العودة إلى علوم التواصل، خاصة التواصل الجماهيري، حيث تكون الرسائل (الخطابات)، والقنوات (التواصلية)، واللغة، وغيرها، مُجرّد وسائل لتحقيق الأثر (التأثير) لدى المتلقّي (الشعب المغربي).
وبالرجوع إلى عدد من العبارات التي جاءت في خطاب الذكرى 48 للمسيرة الخضراء وخطاب العرش، من قبيل “الأمة المغربية” و”تكريم المواطن المغربي”، فإن الملك بصفته “قائد” يعمل على الرفع من معنويات المغاربة:
أولاً من خلال العبارات التي تُعزز الثقة بالنفس لدى الشخصية المغربية، كقوله في خطاب العرش “فالشباب المغربي، متى توفرت له الظروف، وتسلح بالجد وبروح الوطنية، دائما ما يبهر العالم، بإنجازات كبيرة، وغير مسبوقة” وقوله “والمغاربة معروفون على الخصوص بالجدية والتفاني في العمل”
وثانياً من خلال ربط هذه الشخصية المغربية بتحديات كُبرى وأهداف استراتيجية، بما يُرسّخ لدى المتلقي المغربي، الشعور بالاعتزاز المبنى على الإنجاز الجماعي، وإن كان ما يزال جزء كبير من المغاربة لا تصلهم ثمار هذه المشاريع، وهو ما كان قد أشار إليه الملك في خطاب آخر.
تعزيز الثقة بالنفس وبالانتماء لدى الشخصية المغربية، لا يمكن أن يتحقق من خلال الخطابات وحدها طبعاً، لذلك، نرى أن الملك يعمد في بداية كل خطاب إلى الحديث عن مكانة المغرب وثقة شركائه، والمشاريع الكبرى التي انخرط فيها، والأخرى التي يطمح إليها، أي أنه يربط الخطاب بالإنجاز لا بـ”الكلام”، وكأنه يبسط أمام شعبه حصيلة عمله كـ”قائد” يتحمّل مسؤولية قيادة سفينة المملكة، لكنّه يعتبر أن كل راكب في السفينة معنّي ومسؤول عن مسارها ومصيرها، وذلك من خلال تعبئة كل مغربي للعمل من موقعه على أن تظل السفينة آمنة، وأن تكمل مجراها إلى بر الأمان.
وهذا ما يتأكد من خلال خطابي العرش والمسيرة الخضراء الأخيرين، حيث استخدم الملك عبارة “الجدّية” في كليهما، حيث وصف المغاربة في الخطاب الأول بأنهم “معروفون بالجدية”، لكنه شدد على أن تلك الجدية يجب أن تشكل مختلف مناحي الحياة والمسؤوليات، ثم عاد في الخطاب الثاني ليُفسّر ما كان يقصده بذلك بقوله “عندما تكلمت عن الجدية، فذلك ليس عتابا؛ وإنما هو تشجيع على مواصلة العمل، لاستكمال المشاريع والإصلاحات ورفع التحديات التي تواجه البلاد”.
هذا معناه أن الملك كـ”صاحب رسالة” لا يتوقف عن مُجرّد تبليغها وكفى، بل يُتابع مدى تفاعل المعنيين بها مع ما يرمي إليه، وإذا ما بدا له أن هناك “تشويش” ما، يعود ويُفسّر قصدَه ليتحقق “الأثر” الذي يريده من تلك الرسالة، وهو الشعور الجماعي بالاعتزاز والمسؤولية.
إن النظر إلى الخطب الملكية في بُعدها التواصلي الصِّرف، يُظهر إلى أن استراتيجية الملك محمد السادس، تقوم على شقّين: الأول بناء نموذج تنموي عُمراني، من خلال مشاريع البينات التحتية الكُبرى، كالموانئ، والمطارات، وتطوير خطوط السكك الحديدية، والطرق السيارة، عبر تنويع الشراكات وجلب الاستثمارات، وغير ذلك. أما الثاني، فهو إعادة بناء الشخصية/الأمة المغربية، من خلال تعزيز الثقة لدى المواطن المغربي، ثقته بنفسه ثم بوطنه، وبقدرته على الإنجاز. وهذا الجانب أصبح يأخذ حيزاً هاماً في الخطابات الملكية، بما يُوحي بأن الملك لا ينظر إلى شبعه كـ”رعيّة” فحسب، بل يُعيد بناء العلاقة التي تربط “القائد” بفريق عمل، مكون من حوالي 40 مليون فرد، يعمل كل من موقعه للمساهمة بكل “جدية” في بناء مغرب الغد.