الكان يفضحُ العرايشي

ربما يكون كأس الأمم الإفريقية التي تحتضنها بلادنا بداية من الأحد المقبل، وهو المسمار الأخير في نعش فيصل العرايشي الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لأزيد من ربع قرن من الزمن.
فضائح الرياضية لا تنتهي، وبينما يُنتظر أن تكون نسخة “كان المغرب” استثنائية، يبدو أنها ستكون استثناءً في كل شيء ما عدا دور الإعلام، نظير المشاكل الكبيرة التي تعيشها القناة الرياضية، واستمرار فيصل العرايشي في نهج سياسة: “أنا مع تضارب المصالح واللي معجبو حال يصطّح راسو مع الحايط”.
منذ سنوات، والإعلام العمومي الرياضي يعيش حالة إنكار مزمنة، كأن الزمن توقف عند أسماء بعينها، وكأن المحاسبة بدعة مستوردة لا مكان لها في دهاليز “دار البريهي”. كأس إفريقيا، بما هو موعد قاري ضخم، لا يفضح فقط جاهزية الملاعب والبنيات التحتية، بل يفضح قبل ذلك أعطاب القرار الإعلامي، وارتباك الرؤية، وتكلّس العقول التي ظلت تمسك بالمفاتيح نفسها، وتغلق الأبواب في وجه أي نفس جديد.
الرياضية، التي كان يُفترض أن تكون الواجهة الأولى لبلد يُراكم النجاحات الكروية قارياً وعالمياً، تحوّلت إلى مرآة للاختلال: تخبط في البرمجة، ضعف في التحليل، ارتباك في البث، وأزمات متكررة في الحقوق والصفقات، دون أن يرفّ جفن للمسؤول الأول. لا اعتذار، لا مساءلة، لا مراجعة. فقط خطاب خشبي يُعاد تدويره، وقرارات تُتخذ بمنطق الولاء لا الكفاءة.
والأخطر من كل ذلك، هو التطبيع العلني مع تضارب المصالح. حين يصبح الجمع بين القرار والانتفاع أمراً عادياً، وحين تُمنح الإنتاجات والامتيازات داخل البيت الواحد، فاعلم أن الكان لن يكون سوى كاشفٍ أخير لواقعٍ مُعاش. فالحدث القاري لا يرحم، والكاميرا التي تُفترض فيها الوطنية لا يمكنها أن تُخفي الحقيقة إلى الأبد.
إن “كان المغرب” امتحان دولة، لا امتحان قناة فقط. امتحان صورة، ومصداقية، وعدالة في تدبير المال العام. وما يحدث اليوم داخل القناة الرياضية ليس تفصيلاً تقنياً، بل عنوان لمرحلة كاملة من سوء الحكامة، حيث يُكافأ الفشل بالتمديد، وتُواجَه الأسئلة بالصمت، وتُقابَل الانتقادات بمنطق “سير تلعب”.
الكرة اليوم في ملعب من يملك قرار القطع مع الماضي. فإما أن يكون الكان لحظة تصحيح شجاعة تعيد الاعتبار للإعلام العمومي وتضع حداً لعبثٍ طال أمده، وإما أن يتحول إلى شهادة إضافية على أن منظومةً كاملة اختارت العمى، وراكمت الأخطاء، حتى صار السقوط مسألة وقت لا أكثر.


