مجتمع

هل اقترب التطهير من مافيا العقار؟!

من يتابع المحاكمات الجارية منذ أشهر في جهاز العدالة، التي تطال قضاة وموظفين ومحامين، يستشف أن الدولة أخذت على عاتقها تطهير هذا الجهاز وإنقاذ ما تبقى من صورته أمام الرأي العام لأن العدل أساس الملك. بعد تجريب العقوبات والتنقيلات والقرارات التأديبية في حق المكلفين بإنفاذ القانون داخل جهاز القضاء، أصبح السجن خيارا جديدا لوضع حد لحالة التسيب التي أساءت لصورة العدالة في بلادنا. ولم يعد حدثا يستحق الاهتمام اعتقال مسؤول قضائي أو محامي ومتابعتهم في قضايا الفساد أو السمسرة وتحريف الأحكام القضائية وتضييع حقوق الناس.

من يتابع هذه المحاكمات يطرح السؤال متى سيأتي الدور على مافيا العقار التي نهبت أراضي الدولة البرية والبحرية وزورت العقود من أجل الاستيلاء على ممتلكات الدولة العام منها والخاص. نستحضر هنا الفضائح التي طاردت هذه المافيا في قضية السطو على عقارات الأجانب. هذه الملفات التي وصلت إلى الديوان الملكي وصدرت بشأنها مذكرات توجيه عن وزارة العدل الحريات آنذاك، ثم لاحقا تطلب الأمر توقيع اتفاقية بين المديرية العامة للأمن الوطني والهيئة الوطنية للموثقين من أجل تيسير الولوج إلى بيانات المتعاملين والتأكد من صحة الوثائق ومطابقتها مع البيانات الشخصية أثناء إبرام العقود أمام الموثق.

تشكل الدار البيضاء وحدها مختبرا لكل أشكال تحالف الفساد، ففي زمن قياسي تحولت مناطق في ضاحية العاصمة الاقتصادية مثل الهراويين وبوسكورة ودار بوعزة.. إلى مرتع للاستيلاء على العقارات وأملاك الدولة وتزوير الوثائق والعقود الرسمية واستعمالها، حيث تحالفت السياسة والمال والنفوذ والابتزاز بهذه البؤر لتشكل قطبا جديدا للمفسدين، دون أن تتحرك العدالة لتفتح تحقيقا في عشرات الشكايات والاحتجاجات والمطالب والشعارات التي رفعها المتضررون من هذه الشبكات، بينما بقيت الوجوه نفسها والأسماء نفسها تصول وتجول وتتكالب على الدولة ومؤسساتها للإفلات من العقاب.

هذه المافيا التي تحولت إلى شبكة من المتدخلين تشمل موظفين عموميين في الجماعات المحلية والإدارة العمومية كالمحافظة العقارية وآخرون في جهاز العدالة و”وكلاء” يوفرون الحماية لهذه المافيا عبر “الوساطة” بمقابل.

لا شك أن الدولة التي امتلكت الإرادة لمحاربة الفساد في الكثير من القطاعات لن يُعجزها أن تضع حدا لهذه الشبكات التي تكلف خزينة الدولة ملايير الدراهم. فعليا، اليوم كثير من الملفات حول السطو على العقارات معروضة أمام القضاء اليوم، لكن السؤال المطروح هل ستطال يد العدالة الفاعلين الحقيقيين الذي يقفون وراء هذه الشبكات، الذي يتكلفون بالمهام القذرة كالتدخل لدى القضاء أو لتنفيذ قرارات طرد الساكنة من دورهم، أو عبر ابتزاز الإدارة واستغلال النفوذ لضمان إفلات زبانيتهم من المتابعة القضائية؟ إن بقاء “حماة الفساد” خارج المحاسبة يخلق الانطباع أن حملات التطهير مجرد عمليات تجميل لوجه يعرف الكل حقيقة!