قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق
لنا يعرف أهمية الماء في الحياة و ظروف الجفاف التي يمر منها المغرب و ضرورة اتخاذ تدابير تقشفية للحفاظ على هذه المادة الحيوية، لكن دورية وزارة الداخلية في الموضوع تستدعي أكثر من وقفة عميقة و جادة سأكتفي بمناقشة ثلاث اعتبارات منها.
أولاً، المغرب معروف أنه معرض للجفاف بواقع خمس أو ست مواسم فلاحية من كل عشرة، و مع ذلك تقاعست الدولة كثيراً في إيجاد حلول بديلة هيكلية من قبيل إنشاء وحدات تحلية مياه البحر التي أثبتت نجاعتها في عدة دول. فكم من وَحدة من هذا القبيل أنشأتها الدولة في الخمسين سنة الأخيرة؟ ولا واحدة، و هنا لا أتكلم عن إثنين أو ثلاث وَحدات أنشأتها مجموعة صناعية بمبادرة خاصة منها. لقد تأخرنا كثيراً في هذا المجال و ظللنا نعتمد على “اقتصاد السماء” في وقت كانت كل الدراسات و التوصيات و على رأسها التي أصدرها البنك الدولي تشير لمخاطر هذا التراخي المغربي في هذا المجال.
ثانياً، ماذا فعلت وزارة الفلاحة لتفادي الزراعات المستهلكة للمياه بشكل كبير؟ المخطط الأخضر بكل الإمكانيات المرصودة له لم ينجح في وضع خارطة الزراعات المدمرة للفرشة المائية بدليل استمرار هاته الزراعات حتى الآن في أنشطتها، و خاصة بإقليم العرائش و إقليم زاكورة كنموذج. ما اصطلح عليه تقنين المساحات الزراعية من هذا النوع من الزراعات مجرد در الرماد في العيون و ليس استراتيجية دولة.
ثالثاً، دورية وزارة الداخلية التي فصلها العمال و وجهوها للسلطات المحلية بربوع المملكة للعمل على تطبيقها تحمل هماً واحداً لا غير و هو الحفاظ على مادة الماء، في غياب تام لأي لمسة اجتماعية و لا لحلول بديلة تُعوض المتضررين من تطبيق تلك التعليمات. و كالعادة سينزل السيف على رِقاب الطبقات الهشة و سيفقد الآلاف مناصب شغلهم و قوت أطفالهم. كيف سيعيش آلاف المغاربة الدين يمتهنون حرفاً هي في الأصل هشة بالحمامات و مراكز غسل السيارات و لدى شركات البستنة و المنابت و العديد من المهن المُلحقة؟ و ماذا سيفعل آلاف المهاجرين من جنوب الصحراء الدين و جدوا ظالتهم و اندماجهم بفضل هاته المهن البسيطة ؟
لن نستغرب إذن إذا تصاعد الإحتقان و حتى مستوى الجريمة، فليس هناك ما هو أكثر إحباطاً من قطع الأرزاق، فالبطن الجائعة أمَّارةٌ بالسوء، و سنرى كيف ستتفاعل الحكومة مع هذا الوضع المُستَجد و الذي يتطلب مبادرة اجتماعية و ليس مقاربة أمنية. إن هذا الأمر في غاية الجدية و الإستعجالية.