بلا قيود

هل دمر “البام” المشهد السياسي؟

منذ ولادة حزب الأصالة و المعاصرة الغير طبيعية رافقت هذا الحزب جدالات على امتداد الخمسة عشر سنة الماضية كانت في مجملها من أهم الأسباب التي جرت المشهد السياسي بالمغرب إلى الدرك السحيق من الأخلاق السياسية.

ولا يتعلق الأمر هنا بما يقع اليوم من محاكمات لبعض قياداته بتهم الإتجار الدولي في المخدرات لأن ذلك تحصيل حاصل لممارسات غير طبيعية سبق و أشار إليها قياديون من نفس الحزب منهم من صُدِمَ للأمر و انسحب و منهم من أخرجها للعلن لتصفية حساباته الداخلية كحكيم بنشماس، و هي تصريحات موثقة.

حزب الأصالة و المعاصرة ولد وفي فمه ملعقة من ذهب بحيث كان يُشار إليه بحزب الدولة و هذه أولى أخطائه، فمن روجوا له بذلك كانوا يثوقون لإحاطته بهالة تجلب إليه نخبة النخب لتفرض نفسها على الساحة لكن عوض ذلك تحلق حول الحزب غير قليل من المتزلفين و الوصوليين و الأغنياء الجدد الذين لم يسألهم أحد عن تلك المليارات التي كانوا يروجونها في “ميكة كحلة”!

من هنا تغيرت مفاهيم السياسة لدى جل الأحزاب (وليس كلها) فصرنا إزاء سباق محموم حول عدد المقاعد الواجب كسبها في كل الإنتخابات، برلمانية و جهوية و محلية، عوض صراع البرامج و الأهداف، ففُتِح الباب على مصراعيه على أعيان لا يفقهون لا في السياسة و لا في أخلاقها فجروا جل الأحزاب لمستنقع مازلنا نغوص فيه للأسف.

ثاني أخطاء الولادة أن الحزب خُلِقَ لكسر عظام حزب العدالة و التنمية و لم يكن يحمل أي مشروع مجتمعي بل أكثر من ذلك عجز حتى عن منح الحزب هوية سياسية. فلا هو حزب يميني ولا يساري ولا وسطي، بخلاف حليفه حزب التجمع الوطني للأحرار الذي قد نختلف معه في نقط كثيرة لكنه كون لنفسه هوية معروفة، و هي ليبرالية ترتكز حول اقتصاد السوق.

و رغم كل مساحيق الواجهة و الممارسات الانتخابية التي أضرت بكل المشهد السياسي لم يستطع “البام” أن يفرض نفسه كفاعل سياسي أساسي، فحتى عندما هُزِم حزب العدالة و التنمية لم يحظَ البام ب”شرف” هزمه و صار مجرد رقم في حكومة حزب التجمع الوطني للأحرار، و أمينه العام عبد اللطيف وهبي يتصارع مع الجميع لتلميع صورة رئيس الحكومة عزيز أخنوش وهو الذي قال فيه سابقاً ما لم يقله مالك في الخمر.

لذلك أستغرب ممن يتعجبون مما يقع في هذا الحزب اليوم، فيما كل مساره الفتي هو عبارة عن صراعات داخلية أغرقتها تجاذبات إيديولوجية متناقضة ستعصف به عاجلاً أم آجلاً، ولا شك أن المشهد السياسي سيعيد توازنه بعد إغلاق هذا القوس بتشكيل أقطاب متجانسة يمثلها قطب اليسار مع الإتحاد و التقدم والاشتراكية و لم لا الإشتراكي الموحد كذلك، تم القطب الليبرالي بين الأحرار و الدستوريين، فيما سيجتمع المحافظون حول الإستقلال و العدالة و التنمية، ليعود للسياسة شيء من معناها.