لماذا لم يُبْدِ المجلس الأعلى للتربية رأيه في النظام الأساسي الجديد؟!

محمّد بابا حيدة
تعالت الكثير من الأصوات في الآونة الأخيرة، تُطالب المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالإدلاء برأيه في الجدل القائم حول النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية، وما ترتب عنه من تداعيات، في حين ألقتْ أًصوات أخرى باللائمة على هذا المجلس لعدم التدخل أو لعب دور الوساطة في هذه الأزمة.
وإن كانت هذه الدعوات تبقى صائبة من حيث المكانة الاعتبارية للمجلس كونه مؤسسة استشارية، خوّلها الدستور استقلالية في القرار وفي التدبير، إلا أن هذه الأصوات نفسها، دليل على وُجود سوء فهم كبير للأدوار التي يجب على هذه المؤسسة التقيّد بها، بموجب الفصل 168 من الدستور، والحدود الواضحة التي رسمها القانون رقم 105.12 المُنظّم لعمل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. فأين يتجلّى إذن سوء الفهم هذا؟ وهل يُمكن للمجلس أن يُبدي رأيه في كل القرارات والقضايا ذات الصلة بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في بلادنا؟
من حيث المبدأ، نعم، فالمادة الثانية من القانون المنظم لعمل المجلس، تنص على أن من مهامّه “إبداء الرأي في كل السياسات العُمومية، والقضايا ذات الطابع الوطني، التي تهم ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا بشأن أهداف المرافق العُمومية المُكلّفة بهذه الميادين…”، لكن هذه المادّة نفسها تنص على أن المجلس لا يُقدّم هذه الآراء إلا بطلب من جلالة الملك، أو رئيس الحكومة، أو رئيسي غرفتي البرلمان. وفي حالات مُعيّنة يُمكن المجلس الإدلاء برأيه من خلال دراسات أو تقارير يُنجزها بمبادرة منه.
وهنا يجب التساؤل، هل أحالت الحُكومة مشروع المرسوم المُتعلّق بالنظام الأساسي الجديد على المجلس لإبداء رأيه فيه؟ الجواب هو لا، لأن ذلك لو كان قد حصل بالفعل، فإن القانون يُلزم المجلس بالإدلاء برأيه في أجل لا يتعدّى شهرين، أو شهر واحد عندما يتعلّق الأمر بقضية مُستعجلة، في حين أن الحوار بين الوزارة والنقابات حول مشروع النظام الأساسي امتدّ لأزيد من 18 شهراً، كان من المُفترض خلالها أن يُطلب رأي المجلس، ما دامت تلك وظيفته الأساسية.
سؤال آخر بناءً على ذلك، لماذا لم تُحِلِ الحُكومة مشروع المرسوم المتعلّق بالنظام الأساسي الجديد على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؟ علماً بأن الحُكومة منذ 2016 إلى 2023 أحالت على المجلس 14 طلب رأي، من بينها 4 طلبات رأي في عهد الُحكومة الحالية، في مواضيع ونصوص قانونية لا يرقى بعضها إلى أهمّية النظام الأساسي. أما جواب ذلك فيبقى عند وزارة التربية الوطنية التي ربّما بدا لها أنها ليست بحاجة إلى رأي مؤسسة تضم في تمثيليتها كل الأطراف المعنية بالنظام الأساسي، من وزير وأساتذة وتلاميذ ونقابات، وجمعيات الآباء، يجلسون جنباً إلى جنب مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل في دورات المجلس !
فأين يتجلّى، إذن، سوء الفهم لأدوار المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؟ الجواب ببساطة، يكمن في عدم أو ضعف المعرفة بالمنهجية التي يشتغل بها هذا المجلس، والتي يتحتّم عليه أن يظل مُقيّداً باحترامها، وهي أن إبداء الرأي، ليست مجرّد مسألة تواصلية يُثبت من خلالها المجلس حضوره في النقاش العُمومي دَرءاً للانتقادات، وإنما هي مسألة قانونية مُقيّدة بضوابط علمية بالأساس، يكون فيها احترام الاختصاصات بين المجلس بصفته مؤسسة استشارية مُستقلّة، وبين الوزارة بصفتها هيئة تنفيذية تتحمّل العبء السياسي والاجتماعي لقراراتها، أولى من “تسجيل الحُضور” في النقاش العُمومي.
وعلى هذه الأسُس، فَلِكَيْ يُبدي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رأيه في المرسوم المُتعلّق بالنظام الأساسي الجديد، أمامه طريقين لا ثالث لهما. فأما الأول فهو أن تُحيل الحُكومة مشروع المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي على المجلس لإبداء رأيه فيه، وهذا ما لم يحصل. وأما الثاني، فهو أن على المجلس أن ينتظر إلى حين خروج النظام الأساسي الجديد حيز التنفيذ، ويُنجز دراسة تقييمية، تفعيلاً للبند الخامس من المادة الثانية للقانون المنظم لعمل المجلس، حول أثر النظام الأساسي على مهن التدريس، ومدى انسجامه مع توجهات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، ومُقتضيات القانون -الإطار 51.17 المُتعلّق بمنظومة التربية والتكوين والبحث ببلادنا.