عبد الإله طلوع يكتب: وتستمر أزمات التعليم
عبدالإله طلوع: دكتور في القانون العام والعلوم السياسية
هل المشهد التعليمي في المجتمع يعاني من أزمة؟ وهل الأزمة (قديمة جديدة) تمت وراثتها من العقود السابقة، أم هي مستحدثة بدأت مع شعار (تعليم لمرحلة جديدة قديمة)؟ أم أننا نبالغ في ذلك والقافلة تسير وكل شيء على ما يرام. لكن المريض يصرخ؟! وهل المشكلة في الأزمة، أم التعامل مع هذه الأزمة ومعالجة الخلل في جانب أو أكثر من المنظومة التعليمية؟ المؤكد أنه رغم كل العلاجات التي قدمت خلال السنوات الماضية بدءاً من العلاج بالأسبرين، مروراً بتكنولوجيا الليزر، إلى الدواء الشعبي بالكي، فإن النجاحات لا تزال جزئية ومحدودة، والإنجازات التي يتم التحدث عنها والترويج لها في وسائل الإعلام خجولة وإخفاقاتها متداخلة، ومخرجاتها ضعيفة وليس لها حتى قيمة فعلية في المعاير التنافسية الدولية، ولا حتى تنافس على صعيد حاجات سوق العمل الداخلية في جانب المنهجية البحثية الميدانية وتطبيقاتها والتكوين العلمي والتكنولوجي، المنتمي إلى عالم الحاضر والمستقبل.
أسئلة كثيرة وغيرها تطرح مجددا في سياق الصراع بين الأساتذة والوزارة الوصية حول النظام الأساسي الجديد الذي يأتي في سياق خاص، سياق ووضع تعليمي جديد متأزم بسبب إصلاح أحادي من الدولة، وسياق ووضع قديم عانت منه الشغيلة جعلها لا ثثق، و ترفض أي إصلاح لا يلبي اننظاراتها ولا يجيب على الأسئلة التي تم طرحها.
حراك الأساتذة اليوم والذي يستمر للشهر الثاني كتعبير عن رفض كامل لمضامين هذا النظام اللاعادل واللامحفز، والذي جاء بالمهام والعقوبات دون أن يأتي بمكتسبات جديدة ومحفزة عكس ذلك تراجع عن أخرى.
الإصلاح الذي وحّد الأساتذة اليوم في الشارع ووحّدهم لتسطير خطوات نضالية، كان أحاديا رغم اللقاءات والمفاوضات والحوار الذي دار بين الوزارة الوصية والنقابات التعليمية، فالنقابات تملصت من مسؤولية وحملتها للوزير ( تافقنا على نظام- خرّج لينا واحد آخر.. ) هذا ما صرحت به النقابات.
إصلاح كباقي الإصلاحات التي عرفها المغرب وهو مجرد إصلاح لإصلاح قديم، رغم ما يُصرف من مليارات الدراهم فهو لم يأتي بجديد وإنما عمّق الهوّة وأجّج الاحتجاجات.
الإشكالية لا تكمن في تغيير أصحاب مناصب في القيادة وإحلال آخرين مكانهم، ربما يحملون نفس العقلية أو قدراتهم أكثر أو أقل جودة وخبرة كما حدث في التغييرات الأخيرة في هيئة التعليم، ولا حتى في استبدال القيادات، ولا تتمركز في الجانب الانفاقي أو في المباني والتجهيزات المادية من خلال افتتاح مدارس جديدة وترميم قديمة، ولا في حتى تبديل وتغيير المناهج التي تجلب من الدول الغربية، بل تكمن في نوعية التعليم ومخرجاته التي غدت بيئة غير صحية يعاني منها التلميذ والطالب في حاضره ويتخوف معها على مستقبله، ويتوجع منها المعلم ويتذمر منها أولياء الأمور.
والمعضلة الكبرى التي لا يزال يحتار القوم في كيفية التعامل معها هي الطريقة المثلى في إصلاح التعليم وتحقيق الجودة فيه.
دعونا نجتهد ونحصل الأجر حتى لو أخطأنا ونقول إن إصلاح المنظومة التعليمية في بلادنا لا يعبر عن رؤية شمولية بقدر ما يعبر عن رؤية ورغبة أشخاص، ومن يضع السياسة التعليمية ويرسم خطط تنفيذها ينفذها غيره، ومن ينفذها ويخطئ يكرَّم ويصبح واليا أو عاملا، او خبيرا، أو يرسل إلى البيت وراتبه مستمر من ميزانية الحكومة. معضلتنا الكبرى أن المسار التعليمي يقاد بشكل فردي وليس جماعياً وأن التغيير يراد أن يفرض من فوق إلى تحت وليس في مسار ثنائي؟!
فهل تستوعب القيادات الجديدة في قطاع التعليم الأزمة أم أنها ستكمل الطريق والقافلة تسير والمريض يصرخ؟
لا يختلف اثنان على أن التعليم والمعرفة أساس نجاح الأمم ومنذ أن أنزل الله آدم عليه السلام إلى الأرض وبنو آدم يبحثون عن العلم والمعرفة (فالمعرفة قوة) والتعليم مطلب لكافة الشعوب لتنهض بمجتمعاتها وتحقق طموحاتها.
ومن هنا كانت أهمية التعليم.. ولدينا في المغرب بشكل عام مشكلة أزلية مع العلم والتعليم والمعرفة بشكل خاص، ومن هنا جل الإصلاحات التي عرفها القطاع ترقد على أنواع التخلف والجهل وربما كانت تحارب التقدم والتعليم وتتمسك بالمنهجية التقليدية القديمة في تعاملها مع الأوضاع وتحليلها للأحداث ونظرتها للأمور ومعالجتها لما قد يطرأ عليها من تطورات ومنعطفات.
رغم البرامج الإصلاحية الكثيرة وما تم صرفه على التعليم من مليارات الدراهم، فالتعليم في وطننا اليوم يحتاج إلى تدخل عاجل وحازم من ملك البلاد، ويحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وواقعية وصادقة وتتطلب الجدية.
التعليم لدينا لا زال بين تغيير المناهج وتعديلها والقفز بالمُعلم (أساس العملية التعليمية) وإعطائه الدورات والتدريب المكثف لأن يكون عمودًا فقريًا للعملية التعليمية ولازلنا ننتهج طريقة القرارات العكسية والمُتضاربة..!!
مشكلة التعليم في القرارات المتضاربة والمتناقضة والكثيرة بدون أصداء وتنفيذ وبدون منهجية وتخطيط… فإلى متى..؟
اليوم المدرسة العمومية تُحتضر، بسبب غياب إرادة سياسية حقيقية للإصلاح ربما هي سياسة الدولة للتخلص من المدرسة العمومية ، ربما هي إملاءات خارجية ، ربما حتى داخلية، لكن من هو الضحية؟ أعتقد أن الجواب أو الأجوبة هي واضحة، الضحية رقم واحد هو الأستاذ ومعه التلميذ من أبناء الشعب المغربي الفقير، ومعهما المدرسة العمومية.
فمن ينقد المدرسة العمومية؟
ومن ينقد أبناء المغرب الفقراء؟